أتعاطف مع المشكلة -أي مشكلة- التي تحدث في بلدنا، فهي تمر بمراحل معقّدة أكثرها ألماً يكون في الفصل الأخير، إذ يُعترف بوجودها في مرحلتها الأخيرة عندما تكون واقعاً، لكن لا أحد يعترف «بنسبها»، وكي تتضح الصورة أكثر ننتقي مثالاً في إدارة التربية والتعليم في الشرقية، وللأمانة الأدبية وزارة التربية والتعليم تُشعرني بأن من أدوارها في المجتمع أنها مسؤولة عن إيجاد أمثلة على أرض الواقع لكل شيء، أما الخبر أو المثال الذي استعنت به لإيصال فكرتي فهو (مانشيت) لطيف يقول: (تعليم الشرقية يُنهي مشكلة طالبات العوّامية باستئجار مبنى..)، الجميل أن تعليم الشرقية اعترف بوجود مشكلة، والمشكلة هي تغيّب 500 طالبة عن الدراسة لليوم السادس لعدم ملاءمة مبنى المدرسة، والأهم أن «المشكلة مشكلة الطالبات» لأن مدرستهن غير ملائمة، بمعنى أنه لو لم تعترض الطالبات فهذا يعني أنه لا توجد مشكلة لدى إدارة التعليم، لهذا سارع تعليم الشرقية لإيجاد مبنى بديل حتى يتم ترميم المبنى غير اللائق، فالحمد لله أن المشكلة تخص الطالبات، فتخيّل لو كانت المشكلة تخص جهة حكومية، فلن يسعى أحد لحلّها، ليس تنصلاً من المسؤولية -معاذ الله- بل لأنها غير موجودة ومحض افتراء (شغل متحدث رسمي لديه من اللاءات ما الله به عليم)،.. تذكرتُ الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله- في برنامجه (على مائدة الإفطار) عندما يأخذه الاستطراد ثم يريد العودة إلى موضوعه الأصلي فيسأل المخرج: (إيش كنّا بنقول؟).. أها.. كان حديثنا عن «المشكلة اللقيطة» التي لا يتم الاعتراف بها إلا عندما تُنسب للشخص الخطأ، والطريف أن صاحب «المشكلة» غير الحقيقي لا ينفي علاقته بتاً، لأنه بين (خيارين) أحلاهما (استراتيجي)، فإما أن يقول بأنه ليس لديه مشكلة، وهذا يعني أن الآخر (أعجبتني مفردة الآخر) لن يعترف بها، أو على الأقل يقول دعك من مشكلات الآخرين، وإما أن (يتبنَّاها) حتى يجد من صاحب المشكلة (بالنسب) تعاطفاً ويحلّها، ولهذا تجد المواطن متسامحاً جداً في مسألة تبني مشكلات (الآخر برضو)، فعندما تجد مواطناً لم يستطِع إنجاز «معاملته» في أي جهة، يأتي السؤال عفوياً: (وش مشكلتك؟)، فلا يعترض على السؤال بل يجيبك: (مشكلتي كل يوم آتي وأجد السستم «عندهم» عطلان، ووعدوني بأنهم سيحلون مشكلتي قريباً)، أي أنه لو لم يأتِ فلا (مشكلة) لديهم مع عطل «سستمهم».. وأخيراً «مشكلة» أن تشعر بأنك كاتب «مشكلة».. مع تقديري (للآخر)!