لن أتحدث عن عدل الشريعة الإسلامية في الجانب الاقتصادي , فعلماء الاقتصاد الإسلامي قد كفونا هذه النقطة ، ولكني سأتحدث عن أمر هام وحيوي يمس واحداً من أهم أساسيات الحياة الرغيدة ألا وهو المسكن . فالمساكن عندنا مرتفعة الثمن بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء ، وكذلك ارتفاع أسعار الأراضي , بالرغم من أننا من أكبر البلدان العربية مساحة وأقلها كثافة سكانية ! أراض سكنية يصل سعر المتر الواحد فيها إلى 500 و 1000 ريال وأكثر ، لا لشيء إلا لأن الأراضي المعروضة قليلة . وسبب قلة العرض هو احتكار عدد محدود من التجار لمجموعة كبيرة من الأراضي والمخططات السكنية ، ومن أسباب هذا الاحتكار من قبل إخواننا التجار رأي فقهي لا يوجب الزكاة على هذه الأراضي ! هذا القول يرى أنه لا زكاة على الأراضي التي لا تُعرض للبيع حتى وإن كانت نية المالك هي الاحتفاظ بها ومن ثم بيعها عند الحاجة لقيمتها ، ويرى القائلون بهذا القول أن يقوم مالك الأرض بعد بيعها بالزكاة عنها لسنة واحدة فقط حتى وإن كانت الأرض عنده منذ سنوات عديدة ! وهذا القول المرجوح شرعاً وعقلاً هو المشهور عند تجار العقار ، وهو الذي أدى – برأيي – بشكل مباشر أو غير مباشر إلى الاحتكار ؛ وبالتالي إلى غلاء أسعار الأراضي لأن من الطبيعي أن يقل المعروض من الأراضي . نعم، رأي فقهي أدى إلى الاحتكار ومن ثم إلى ارتفاع أسعار العقار – وخصوصاً الأراضي – وبالتالي ساهم في إحداث أزمة إسكان في البلد ! بل لا أبالغ لو قلتُ إن هذا القول فتح باباً للهروب أو التهرب من الزكاة الشرعية على الأموال وعروض التجارة , لأن من يملك مالاً ولا يريد أن يزكي عنه فما عليه إلا أن يشتري أرضاً أو أكثر ولا يعرضها للبيع ليُعفى من الزكاة على أمواله \"بحسب هذا الرأي\" ! وهذا التصرف برأيي لا يختلف كثيراً عن حيلة أهل السبت ! إذ كيف لا تجب الزكاة في قيمة الأراضي ( مع أنها ليست معدة للبناء والنية بيعها عند الحاجة لقيمتها ) ، بينما تجب في الأموال التي في البنك وفي الذهب غير المستعمل ؟! كيف يجب عليّ أن أزكي عن قيمة الذهب الذي أملكه ولا يستعمله أهل بيتي ، ولا يجب عليّ أن أزكي عن قيمة الأراضي التي أملكها ولم أعدّها للسكنى ؟! كيف يجب عليّ أن أزكي عن أموالي التي في البنك ، ولا يجب عليّ أن أزكي عن أموالي التي اشتريتُ فيها أراضٍ لا أنوي أن أسكن فيها كلها بل أنوي بيعها إذا احتجتُ لقيمتها ؟! لماذا تجب الزكاة في جميع أموالي ما عدا الأموال التي أشتري فيها الأراضي ؟! ولو قيل بأن هذه الأراضي كالبيت الذي تسكن فيه وكالسيارة التي تركبها ، يقال إن هذا الكلام معقول لو كانت هذه الأرض واحدة أو كانت نية مالكها فعلاً هي البناء عليها. ولكن الواقع يقول إن هناك من يملك عشرات الأراضي السكنية ، ومن غير المعقول أن تكون كل هذه الأراضي قد أعدت للسكنى . تماماً كما هو حال من يشتري كميات كبيرة وكثيرة من الذهب ، فإنها تجب عليه الزكاة باتفاق حتى وإن كانت نيته هي الاحتفاظ بالذهب إلى أن يحتاج قيمته . فكيف يتم التفريق بين الذهب والأراضي ؟! لا شك أن هذا القول الفقهي قد ساهم في انخفاض أموال الزكاة التي هي حق من حقوق الفقراء والمساكين وغيرهم من مستحقي الزكاة ، كما أنه ساهم وبشكل كبير في احتكار مجموعة من الناس لأراضي سكنية كثيرة إما هروباً \" شرعياً ! \" من الزكاة على المال أو غير ذلك . وفي جميع الأحوال هذا الاحتكار – المحرم – قد ساهم في ارتفاع أسعار الأراضي . وأنا حين أقول هذا الكلام لا أطالب بإلغاء هذا الرأي الفقهي ، ولا بمسحه من عقول المسلمين ، ولا بسد باب الاجتهاد ، ولكن لأن هذا الرأي قد تسبب بالضرر لكثير من الناس فإني أتمنى أن تكون هناك آلية لفرض ضريبة على من يملك – مثلاً – ثلاث أو خمس قطع سكنية بيضاء أو أقل أو أكثر ، أو أن تقوم مصلحة الزكاة والدخل بفرض زكاة على جميع الأراضي السكنية البيضاء كما هو الحال بالنسبة للمحلات التجارية . ورغم علمي أن هذه الأمنية – لو تحققت – ستضر بعدد محدود من الناس إلا أني على يقين أنها ستجلب النفع لأضعاف أضعاف أضعافهم ، بل لا أبالغ لو قلت إن عدد المنتفعين سيكون بمئات الآلاف من المواطنين . فهل نرى قريباً فرض الزكاة على الأراضي الفضاء ، أم سيظل الوضع على ما هو عليه وتزداد أزمة الإسكان ؟ إبراهيم بن سليمان السدرة [email protected]