سراج علي أبوالسعود قد تكون نسبة غير قليلة من الشعوب الأوروبية علمانية الهوية وتعيش حالة من الحرية، بحيث ليس لأحد التطفل على شؤون غيره، الثقافة السائدة عموماً تمنح كل شخص الحق في عمل ما يريد ما دام عمله غير مخالف للقانون، ولما أنْ كان القانون يمنحهم قليلاً من القيود في الحريات الشخصية فإن الشاب والشابة عموماً يعيشان حالة من الاستقلال التام الذي يُجيز لهم كثيراً، في ظل مثل هذه الثقافة المنفتحة لفتت نظري امرأة تلبس العباءة السوداء والبوشية (الخمار) من رأسها حتى أخمص قدميها في باريس، لا شك أن ذلك في مجتمع أوروبي يُعتبر شيئاً مخالفاً جداً للسائد، بينما اللافت أن شخصاً واحداً لم يلتفت إليها، كنت أتأمل كثيراً في الوجوه فلم أرَ شخصاً منح نفسه الحق حتى أن يرمقها بنظرة، هذا المشهد بذاته تكرَّر في براغ عاصمة التشيك في زيارتي لها هذا العام، ما دلني بالمقدار الذي رأيت على وجود ثقافة في تلك البلدان ترفض التطفل على شؤون الآخرين أو ازدراءهم حتى بأدنى مقدار. على نقيض هذه الصورة تجد مع الأسف كثيراً من الناس في مجتمعاتنا منشغلين انشغالاً تاماً بغيرهم، حتى في أدق الخصوصيات التي لا تعنيهم في شيء، فلان يقود سيارة صفراء، فلان يصبغ شعره، فلان يحب الجح، فلان سيارته (4×4) فلان وفلان وفلان، والسلسلة لا تنتهي بهذا المقدار، بل ربما تصل إلى إعابة وقذف الناس بأقبح وأسوأ الأوصاف، ما أعتقده هو أن مثل هذه الحالة تدل على خواء فكري حتى وإن تلبَّس صاحبها بلباس الثقافة والعلم، فالأخلاق هي صفات فعلية وليست مجرد حقائق موجودة في الذهن، بمعنى أن العلم بالصدق هو أن يكون الإنسان صادقاً لا أن يدرك فقط أن الصدق هو قول الحق دون أن يقوم به. ذُكرت تعاريف كثيرة للغيبة، أشهرها هو «ذكر الإنسان حال غيبته بما يكره نسبته إليه، مما يُعد نقصاناً في العُرف بقصد الانتقاص والذم»، وحديثي هنا ليس حول الغيبة كفعل، بل حول الانشغال بالآخرين عموماً كثقافة سائدة، تحليل سلوكياتهم ونمط معيشتهم وذوقياتهم المختلفة حتى دون ذم أو انتقاص، هذا الانشغال قد يتطور إلى أن يصل إلى ضغوط نفسية من أجل مسايرة الوضع السائد حتى وإن كان على غير ما يريد، أو يتحول إلى نقد لمن لم يرَ الحق في مسايرة الوضع السائد. الانشغال بالناس الذي قد يصل إلى تتبُّع العثرات والسقطات ونقلها بين المجالس أو حتى دون ذلك سلوك غير حضاري، لا شك أن الغيرة أحياناً تدفع الإنسان للتألم حينما يرى الآخر يرتكب ما يعتقده مشيناً، ولكن المشكلة أن هناك مَن لا يكترث بالتصحيح وأكثر ما يريده هو اللهو بذكر قصص الناس وأحوالهم، أو ربما الإعابة لأجل الإعابة والتسقيط، هذا النمط من التفكير ينبغي كما أعتقد تغييره، وعوضاً عن ذلك أعتقد أن الإنسان ينبغي أن يتتبع دائماً عثراته وزلَّاته، ويحاول أن يجتهد في تقويم نفسه والارتقاء بها بدلاً من الانشغال بغيره. إن شئت أن تحيا سليماً من الأذى ودينك موفور وعرضك صيِّنُ لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسنُ وعينك إن أبدت إليك مساوئاً فدعها وقل يا عين للناس أعينُ فعاشر بإنصاف وسامح من اعتدى ولا تلق إلا بالتي هي أحسنُ