قل ما شئت...واكتب ما شئت...عندما تطلق لسانك أو تمسك قلمك فأنت تخبر العالم بما يدور داخل عقلك ... فكلماتك هي عنوان أخلاقك... وأسلوبك هو ميزان ثقافتك وفكرك ... ولا يعني انتقادك صحة ما تقول...أنت تعبر فقط عن رأيك الشخصي الخاص بك وحدك. فمع بزوغ ما يسمى بحرية الرأي في مجتمعنا ولدت معه العديد من الثقافات ومن أبرزها ثقافة النقد , وتبعها زوبعة كبيرة بن مؤيد ومعارض ؛ لذلك كان لزاما علينا أن يكون لنا وقفة مع ثقافة النقد والتي لها دور كبير في التأثير على الفكر والقيم والسلوك والعواطف. من خلال التطرق إلى مفهومه, وله معنيين كما ورد في المعجم الوسيط : الأول : نقد الشيء بمعنى نقره ليختبره أو ليميز جيده من رديئه. الثاني : إظهار العيب والمثالب، وغمط الناس وبخسهم أشياءهم فيقال: فلان ينقد الناس: أي يعيبهم ويغتابهم . أخي الناقد تأمل المفهوم الأول ترى كلمة نقرة بهدف الاختبار والتمييز, أما الثاني فقد أظهر عيب الآخرين وغمط الناس وبخسهم أشياءهم للنيل منهم وتشويه سمعتهم من غير حجة ولا برهان ..فأين موقعك؟؟ وهل تمتلك أداة للتمييز وإصدار أحكامك بموضوعية ؟؟ وعند الجهل بالمعاني تختلط المفاهيم وتفتح أبواب النقد على مصراعيها , وتمنح الصلاحيات لغير أهلها ويصبح الجميع مخولون للنقد, ويطغى على الساحة الإعلامية التطاول على الآخرين انطلاقاً من باب الإصلاح وما ذلك إلا صورة صريحة للنقد المغرض الذميم . النقد الذميم لابد أن يرتدي له حلة تحميه من أنظار العقلاء وتجد له طريقا لعواطف البلداء, فهو يصب جام غضبه على ذلك الشخص ويذكر مساؤه وينسى القضية محل النقد مما يقوده إلى تعرية هدفه الحقيقي , كما أنه يلجأ إلى التشهير بذلك الشخص والتشكيك في نواياه ويكفينا عبرة في البعد عن هذه الجريمة البشعة حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة ، فصبحنا القوم على مياههم ، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم ، فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله ، فكف عنه الأنصاري ، وطعنته برمحي حتى قتلته ، فلما قدمنا المدينة ، بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي :(( أقال : لا إله إلا الله وقتلته ؟! )) قلت : يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح ، قال : (( أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا ؟! )) فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت يومئذ -متفق عليه-. النقد الذميم يتتبعُ العثرات ويجمعها ويعرض القضايا و الانتقادات من غير أدلةٍ أو برهان ثم يتلذذ بنشرها و التحدث عنها، بل وإقناعُ الآخرين بوجودها وكأن الناقد أصبح من الصفوة المعصومة من الخطأ فتجاوز مرحلة تعديل عيوبه إلى إصلاح عيوب الآخرين ولنقف قليلا مع الحديث الذي يرويه أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يبصر أحدكم القذى في عين أخيه وينسى الجذع في عينه!) رواه ابن حبان في صحيحه. وهذا ما يعبر عنه الشاعر بقوله: لسانك لا تذكر به عورة امرئ.... فكلك عورات وللناس ألسن وعينك إن أبدت إليك مساوئاً.... فصنها وقل يا عين للناس أعين إخوتي النّقاد الأفاضل إذا أردنا فعلا الإصلاح والتطوير فلنحسن الظن بالآخرين ولنتجه إليهم مباشرة بقلب مصلح ولنطرح ما لدينا ولنختار الأسلوب الأمثل ولنبتعد عن النقد أمام الملاء ولنكن على ثقة بأن العقلاء يرحبون بالنقد البناء لأنهم يرون من حولهم عينٌ لهم لرؤية المنطقة العمياء التي لايرونها . إن الأساليب الهابطة تنحرف بالبشر لتحقيق أهداف دونية تنبعث من ذوات الأشخاص وما تحمله تجاه الآخرين, كما أنها تشتت المجتمع ,وتضعف الانتماء ووحدة الصف, وتقلل من الثقة بالآخرين وكل ذلك ينعكس على المستوى الفكري والثقافي لأفراد المجتمع ويهدر الأوقات والجهود الثمينة, ويهوي بلبناته الشامخة لتسقط لبنة لبنة, مما يعيق عملية التقدم والتنمية. إخوتي أصحاب الألسن الفصيحة والأقلام الحرة لنتعاهد بالارتقاء بمستوى طرحنا , ولنتبنى الحلول لمشاكلنا, ولنتعلم كيف نصل إلى الهدف دون أن نحيد عنه, ولنرتقي بأساليب طرحنا ومعالجتنا للقضايا رؤوساء ومرؤوسين, ولنكن معاول بناء لا معاول هدم لنهضة محافظتنا الغالية. ولنكن على ثقة بأن أصحاب الحق أعناقهم مشرئبة وأصواتهم عالية وألسنتهم تفيض فصاحة لا يخشون مقابلة شخص أو مسئول أو الكتابة إليهما. ولنضع أمام أعيننا قول الشاعر: شر الورى من بعيب الناس مشتغلاً .... مثل الذباب يراعي موضع العلل همسة ليكن صوتك وقلمك دليلا على نفسك, فالنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا أعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة.