قلنا لأبي عندمة الطفران: ألا تشتري بيتاً يقيك وولدك الشتات والتشرد؟ قال: حلمي بيت الجنة، أما دور الدنيا فغلبت اللئام عليها الكرام. وقرر حنتمة الحافي أن ينصب خيمة خارج المدينة تكون له سكناً ومستقراً ثم عاد بعد أيام يبحث عن دار يكتريها، فقيل له: أهربت من الوحشة والوحدة؟ قال: حاشا لله إنما لم أجد أرضاً أنصب عليها خيمتي. وسئل بهلول: أين سكنك؟ فقال: هو حيث ينتهي بي التعب وتقف سيارتي. وحدثني من أثق به أحياناً: أن أنس ابن أخت هذيل، وهو من قاطني الدارالبيضاء، كان يطوف بأولاده في النخيل والحمراء والعليا، ويقول لهم إن نجحتم في دراستكم كانت هذه الأحياء سكناكم. وداعبنا هنبقة مرة فقلنا له: ويحك هل ضللت حتى تترك السكن في المساجد؟ قال: بل هي البلية؛ إذ أغلقوا أبوابها فلم يعد لنا مأوى سوى دور الشرط أو حواشي الطريق. وسمعت أن صاحبنا صعلوك المنتف جُنّ، وذلك أنه أمضى عشرين حجة يجمع قيمة أرض يشتريها، وكلما نجح في توفير المطلوب يكتشف أن السعر تضاعف فظل يلاحق الأرض حتى فقد عقله. وغاب يونس الهيلماني عن أهله سنوات، ثم عاد وعليه سمت الصالحين فقالوا له: سبحان من هداك بعد اعتيادك المعازف. قال: بل هي حيلة لأجد سكناً لنا، فالمؤذنون يحصلون على بيت فاره فأصبحت أحدهم. ووجدت رجلاً يدعو في المسجد: اللهم انصر شويشا أو أبعده عنا بعداً لا عودة منه. قلت: ويحك يا رجل أتدعو على مندوب ولي الأمر؟ قال: نعم المال قد استلمه والأرض عجز عن إيجادها فكيف سيبني لنا بيوتاً؟ وقال لنا ابن أم أصبع: اعلموا أن الجن يشاركوننا أرضنا. قلنا: وكيف ذاك؟ قال: ألا ترون وفرة الصحاري وامتدادها، ومع ذلك نعجز عن البناء فيها. إنهم الجن يطردوننا منها كلما اقتربنا. ثم قال شيخي أنقذه الله من عذابات الإيجار: ألديك بيت يا بني؟ قلت: يا شيخي تعلم شقتي القديمة وحالها المزرية. قال: بوركت يا بني فأنت سعودي أصيل.