سبق أن حضرتُ ورقة قدمها د. علاء الأسواني في مؤتمر الرواية العربية في القاهرة ، وكان ذلك بعد النجاح الكبير لروايته (عمارة يعقوبيان) ، تكلم عن روايته ، وكيف مر على العمارة وهي في حالة تجديد وكانت بعض الجدارن تم تكسيرها وبدت الغرف ، وسرح به الخيال نحو ما كان وما حدث في تلك الغرف ، وكانت الفكرة التي أنتجت .. وعرج على بداياته وعن عالم مجيزي النص الأدبي حيث يظنون أن الأدب لابد أن يحكي حكاية حقيقية . في هذا الجزء من ورقته كان يتكلم عن مجموعة (نيران صديقة) وهي بداية ووجه عالم الأدب بعد عودته طبيب أسنان من ولاية شيكاغو الأمريكية ، ، وتحديدا عن رواية البداية للمجموعة (أوراق عصام عبدالمعطي). ودورته للحصول على إذن النشر ، لكن عقلية الموظف تختلف عن عقلية الأديب ، لذا يناقشه الموظف بتغيير آراء الشخصية ، ويرد عليه أنه حاول معه لكنه رفض ) فيطلب منه أن يكتب توضيحا يتبرأ من آراء شخصية (عصام) وهي آراء تعري واقع الحياة عامة والمصرية خاصة ،آراء ترى باختصار (الحضارة المصرية لم تكن إلا كأنا كان ثم مات ).. والحضارات عموما ، وربما ذلك يتساوى مع آراء ابن خلدون بالحضارة والدول . (عصام) هو شخصية قابلها المؤلف فعلًا لرجل يطلق عليه (محمود تربل )تفكهاً من زملائه حيث اسمه : محمود محمود محمود . وجدتُ الكتاب خلال مروري بالقاهرة ، ووجدت ما قاله علاء الأسواني في ذلك اليوم مكتوباً في المقدمة ؛ حيث يتصادم الكاتب مع الناس بسبب الكتابة وورود أحداث لصيقة بالواقع ، وأتى بمثال من واقع روايته (عمارة يعقوبيان) حيث ثار بعض الأقباط عليه بسبب شخصية القبطي الجشع . وهي حالة مثلما يكون هناك مسلم جشع، قد يوجد مسيحي أو بوذي أو من أي دين وملة جشع ... يفسر علاء الأسواني التداخل بين الواقع، والكتابة الأدبية - أعرضه باختصار شديد : أولًا : لابد من حدوث الإيهام وكلما أجاد الأديب بعمله حدث الإيهام بأن ما حدث حقيقي ..، "وهذه تعرضتُ لها كثيرا ، وبلغ برجل أن يتصل بي ليحتج بأنني قدمت قصة قصيرة تحكي حكايته التي لم أسمع بها قط .. الشيء الثاني: أن الأدب هو فن الحياة، والرواية هي حكاية هذه الحياة ، وهي تشبه حياتنا اليومية .. ولكنها أكثر عمقا ودلالة وجمالا ، (القول لازال للأسواني بتصرف طفيف ) وهي سلاح ذو حدين ، الإيجابية فيها أنها تمنح الرواية ذخيرة لا تنفد للكتابة لكنها من ناحية أخرى سلبية ، تدفع البعض إلى قراءة العمل باعتباره دراسة في علم الاجتماع ." هذا التداخل الذي قاله الأسواني حقيقي ، فالأديب ، لا يقدم ورقة عمل يجب تصحيح ما فيها ، وإن كنت أفضل أن تكون المعلومات العلمية عندما ترد ترد صحيحة حتى تحصل المتعة والمعرفة في آن واحد ، إن أمكن ..( كتابات صنع الله إبراهيم مثلا).. كل ذلك بما يملكه الروائيون المبدعون من قدرة مبهرة على الغوص في أعماق بحر الوجود، وملاحظة ما في القعر، وإعادة خلقه عبر تصويره من خلال حبكة الرواية بتدفق الحدث والحركة والظلال والألوان ، بأسلوب السرد بيُسرٍ وجمال، والممزوج بالإثارة والتشويق ما يجعل الرواية حقيقة يعيشها المتلقي .. إذا كانت الرواية فن الحياة فإن فن الشطح الخيالي بها أو ما يطلق عليه الفنتازيا ، يساعد المتلقي أيضا على البحث عما وراء ذلك أو على إعادة التخيل والصياغة بحيث يشعر المتلقي أنه شريك في لغز الكتابة .. فالتصوير المباشر للحياة وكأنه كاميرا تلفزيونية ، يدل على دقة الكاتب ، ولكن مزجه بشيء من الفكر المحفز ، والكلمة التي تثير اهتمام المتلقي ، تعطي للنقاد فرصة لتخيل دروب للرواية غير تلك التي سلكها الكاتب ذاته .. وعليه لا يبقى هناك مجال لسؤال : من أين يأتي الخيال ؟