تبتسم له، ويفرج عن ثناياهُ ضاحكاً، يعطيها.. فتعطيه كل ما تملك، قلبُ واحد لجسدين، يعيشان على ذكريات جميلة وحياة لم يبق منها كثير، نُقِش على أيديهما شقاء كل تلك السنين، وفي نظراتهما تجارب لن نتمكن من خوضها، أينما حلا تشم عبق ماضٍ جميل وحاضر ملوث صار البديل … كانت غاية في الجمال، وكان ذا صيت، يملأها الكبرياء وتملأه العظمة، ويغلب عليهما حنان لم يضاهيهما فيه أحد.. أنجبا أحفاداً لا يقلون عنهما أخلاقا وأنفة، لكن ينقصهم تلك الصفة النادرة التي أتسما بها، كنتُ أنظر إليهما بنظرات معجبة، فكم هي الحياة جميلة إذا أبصرا، وكم هذا الثرى محظوظ باحتوائهما، هما مثال لطيبين رحلا ومخلصين قُتلا. منزلهما يكتظ حياة بمشاعرهما، كل زاوية تحكي لنا رواية أبدعا في نسج كلماتها، وكل نخلة تقول هي احتضنتني بعباءتها، أحببتهما دون حدود، ودعيت رب السماء أن يغادرا الحياة معا، فالشريان واحد يتوقف النبض إذا انقطع، لم أكُن أدرك أن الموت أفضل من العيش مع إنسان لا يتذكر من أنت؟ لتبقى تعاني ما حييت. استقبلا عيداً وراء عيد، هو متشبث بها، وهي تخلق ابتسامته، عاشا رجاء أن يشيخا معا، إلى أن أتى عيدهما الخامس والستون بمخزون دموع، وفؤاد موجوع، فهي فقدت ذاكرتها، وهو يعيش بذاكرتين، أصبحت جسداً بلا روح تسمعه، تراه ولا تشعر به. هو صام عن الابتسامة، وأفطر بالبكاء عليها، يشعر بها يتألم لها، يتمنى أن يصيبه ما أصابها من «الزهايمر» كي لا يعاني ويصبح أنانيا بصحة لنفسه، وسقم لها.. بات كل حديثه عنها وعن مواقفها الماضية ببراءة طفل، ووجهه رسم عليه الدهر ورحل… في صباح عيدهما كانت تتأسف له بحرقةٍ لا تعلم سببها، ولكنها تدرك أنها علته… عَيّدَ مع الجميع بفرحة باكية، وقلبٍ يعج بالحزن، وظهرٍ احدودب معها، وظل يكابر، وحينما غادرتهُ أسقطت حمولتها عليه فسقط. جاء عيِدُنا مثقلاً بأحداث جعلتهُ يركض زاحفا وفي نهايته نقطة لبداية عنائهما ليبقى أحدهما يتنفس دون وعي، والآخر ميت دون أن يعي. موقنة أنني أكتب لمن لم يقرأ يوما ولكنهما رسما لنا الطريق وجعلا دماءهما لنا البريق.. أتمنى لو أغمضُ عيني لأفتحها عليهما كما كانا وليس بما أصبحا عليه. قال.. بِقهر وعينين أكهلهما النظر: يكفيني من القدر أنها بخير.