هكذا هو رمضان يأتينا كل عام محملاً بكل مشاعرنا التي ما تفتأ تتأرجح بين الأمل و الخيبة نفوس ينتابها الخوف من المستقبل بغموضه ومفاجآته و مخاوفه و توجعها ذكريات الماضي بما تعنيه من الحنين ووجع البعاد !! بالنسبة للكثيرين يبدو رمضان مساحة للتأمل ومراجعة الحسابات فبين أشواط الركض في مسالك الحياة يأتي رمضان بمثابة استراحة للجسد و الروح وبقدر ما يبهجنا الصيام بمعاني الاجتماع و اللقاء و فرحة النهايات و فوق ذلك لذة العبادة وصفاء الروح .. إلا أنه يعيد إلينا بالرغم منا ذكريات الراحلين ممن أحببناهم و أحبونا وعشنا معهم أجمل لحظاتنا و أسعد ليالينا .. رمضان يعيد لذاكرتنا أحاديثهم و نظراتهم و وجوههم الباسمة و مواقفهم الجميلة !! يغيبون عنا بأجسادهم ونحاول أن نتعود على النسيان نركض في دروب الحياة نوهم أنفسنا أننا تأقلمنا على غيابهم لكن رمضان يأتي ليحرك في قلوبنا كل تلك الذكريات الراكدة على كل مائدة إفطار نكاد نرى أماكنهم الخالية تتردد في عقولنا دعواتهم الصالحة !! كل بريق الأمل يخبو أمام الحقيقة !! و الحقيقة أن حب الوالدين ومتعة لقائمها -وخصوصاً الأم - يبقى دائماً أكبر من الكلمات و أعمق من صدى صوت عابر !! إنه الشيء الوحيد الذي يحمل سحر الديمومة و البقاء .. الوحيد الذي يعد باللقاء في ذكرى الفراق .. إنه بالنسبة لي أكبر نجاحاتنا و أفضل مشاريعنا - نحن الأبناء- في حياةٍ مملؤة بخيبات الواقع المتكررة .. فكيف سيغدو شكل رمضان من دونهما ؟؟ إن وجود الأم في حياتنا نوع من الترف المعنوي و الروحي لا يدركه إلا من افتقده إنه شعور بالمرارة لا يدركه إلا من جرب أول رمضان لا ينتظر فيه مقابلة والدته ترحل الأمهات فجأة عنا بلا أمل باللقاء في الدنيا لهذا أكتب لكم أيها الذين لا زالوا يتمتعون بهذا الترف الرفيع الباذخ أولئك الذين يستطيعون التلذذ برؤية أمهاتهم و آبائهم كل يوم حاولوا أن تعيشوا كل جمال اللحظة الراهنة واستمتعوا بقدر ما تستطيعون لن تستمر الأمور كما هي سنن الحياة و أقدار الله لا تتغير ستجدون أنفسكم ذات رمضان بلا أم أو أب عندها فقط ستكتشفون حجم الخسارة و مرارة البعاد عندما تفتقد والديك ستكتشف كم أنت ساذج بظنك أنهم كانوا بحاجتك ستكتشف أنك أنت الذي تحتاج إليهم ستكتشف حينها أن باباً من أبواب السماء و الدعوات الصالحة قد أغلق عنك ستفتقد كل تلك النظرات الحانية ستفتقد الحب النقي عندها فقط ستكتشف أن مذاق الأشياء قد تغير و أن اللقاءات صارت باردة ستكتشف أنك قد شخت فجأة و أن الزمان يكاد أن يتوقف .. إضاءة : لن تدرك عظمة ما تملك حتى تجرب فقده !!! أحمد بن عبد الله أباالخيل