في ميدان رابعة العدوية تشنج القيادي الإخواني عصام العريان محاولاً أن يصنع عدواً جديداً، لكنه أيضاً اختار الجهة الخطأ، كان من المُفترض أن يختار -مثلاً- شمّاعة (الموساد الإسرائيلي)، وهذا عذر تتقبله بسهولة الذاكرة العربية المُحبطة، ويستطيع أن يلمّح أيضاً عن اجتماعات سرية بين دولة الكيان الصهيوني وبين قيادات بارزة، خاصة لو اختار أسماء ليبرالية أو فلولاً، بهذا قد يستطيع أن يُقنع من بدأ يتوجس من جدية الحركة الشعاراتية، لكنه يبدو أنه لم ير أبعد من حدود ميدان رابعة العدوية، وهؤلاء لم يكونوا في حاجة لخطابه ليعلنوا له الولاء، لكن خطابه جعل المحايد أو المتردد تجاه الإخوان أن يفكر في كلامه، والتفكير ليس من مصلحة الحركة، فتفكير المتعاطف معه قد يوصله إلى قناعة ضد ما كان يأمل، فالعريان يقول: ( إن بعض أنظمة الحكم في الخليج العربي يخاف من المارد المصري، إذا ما أضحت مصر دولة ديمقراطية متقدمة ومزدهرة، وإن هذه الأنظمة قد طارت فرحاً لأن هذا المسار قد (أسقط) وهو لم يعد يحتاج سوى لعام جديد واحد كي يصل هذا المارد المصري إلى مشروع الديمقراطية المتطورة المزدهرة). وهذا مأزق آخر تقع فيه حركة الإخوان، فاختياره لبعض دول الخليج ( السعودية من الدول المعنية بالتأكيد) يجعل الأمر مربكاً للمتلقي (الذي هو من خارج الجماعة) إذ إن شعار الجماعة طيلة هذه العقود يأخذ لبوساً إسلامياً، فمن الصعب على المتلقي العادي أن يتقبّل فكرة أن المملكة العربية السعودية بمكانتها في العالم الإسلامي، والدولة الوحيدة التي ينص نظامها صراحة على تطبيق الشريعة الإسلامية تكون ضد المشروع الإسلامي، في الوقت الذي استخدم به العريان كلمة (الديمقراطية) مرتين في أقل من دقيقة، وهو مصطلح غير مرغوب فيه لدى الحركات الإسلامية، وقد يشوّش كثيراً لدى المتابع الذي يحاول استيعاب عودة الخلافة الإسلامية من خلال عملية ديمقراطية، ويبدو أن هذا مأزق الجماعة التي فشلت في اختراع «ديبلوماسية على الطريقة الإسلامية»، فمشروع النهضة – في ظاهره على الأقل- يتطلب تقويض كل العالم لإنشاء الدولة الحلم، وهذا يعني أن تنظر الشعوب – الموعودة بالرفاهية-عقوداً طويلة في انتظار حلم يبدو مستحيلاً، فالشعب ثار لأنه يريد حياة أفضل، ولا يوجد عنده صبر حتى يصبر عقوداً ناهيك عن أعوام!