لا أدري كم مقالاً كُتب اليوم، وسُيكتب غداً وعنوانه بيت المتنبي الشهير (عيدٌ بأية حال عدت يا عيد)، فالشرع الحنيف جعل يوم العيد يوم فرح، لكن يبدو أن هذه المقالات «موسمية» يُعاد نشرها كل عيد، أو أن الكاتب لا يكون حاضراً ذهنياً للكتابة فيختار الموضوع القديم / الجديد، وأغلب الزملاء الذين يكتبون بأسلوب التباكي يجهزون المقال قبل سفرهم مع عائلاتهم إلى دول الخليج المجاورة! أي أنهم يمارسون الفرح والبهجة والمتعة، ومع ذلك «يستكثرون» أن يتركوا لنا «كلاماً طيباً»، فهم (حشف وسوء كيلة) يمارسون الفرح ويدعوننا للكآبة والحذر من البهجة، ومبررات دعوتهم هذه مازالت كما هي منذ أن تعلمتُ القراءة على الأقل، وهي أوضاع المسلمين في بورما والشيشان، وبالطبع الآن ستكون في مصر وسوريا، وكأن المسلمين في العصور الأولى كانت أوضاعهم كلها خير وفلاح، فعائشة عندما كانت تنظر للأحباش في يوم العيد وهم يلعبون في المسجد، وخير البرية صلى الله عليه وسلّم لم ينكر ذلك، بل قال عندما زجرهم عمر (دعهم، أمناً بني أرفدة)، فهل نحن أصبحنا نزايد على الدين ولو بطريقة غير مباشرة، وهل (التجهّم) أصلاً من الدين؟ وماذا بعد؟ هل أصبحت أنا من حيث لا أُشعر أتكلم عن العيد بلغة المتوجس.. لا عليك مني ومن أولئك افرح بالعيد، بل اختلق الفرحة، ابدأ يومك بوالديك واصنع لك ولهما الفرح، شاكس أباك وعلّق على أناقته، قل له لماذا يخفي شبابه وأناقته إلى يوم العيد، اقترح عليه الزواج وتكفّل بجميع المصاريف.. لكن احذر من أن يصدقك!، قبّل رأس والدتك وناقشها في الأشياء البسيطة التي تشعرها باهتمامك، أثن على ذوقها في اختيار الملابس، واسألها عن المكان الذي جلبت منه العطر، تذكّر أصدقاء والدك ووالدتك (القدامى) واتصل بهم وفاجئ والديك بوجودهم معك على الخط، ثم استمتع بقراءة الفرح على وجوههم، ثم جرّب متعة مرافقة الأطفال، اجعل نفسك أصغرهم، أطلق الطفل المكسور بداخلك، دع الصغار يقررون، وأنت تشارك في المقترحات لكنك مُجبر في النهاية على تنفيذ ما يُريدون، لا تخف أن تتسخ ملابسك، بل بادر لأن تترك للآيسكريم أن يرسم عليها ما شاء.. وأخيراً انسوا شطر المتنبي، وإن شئتم مزيداً من المتعة فمزقوا ديوانه إن أردتم.. فللعبث الطفولي متعةٌ أيضاً.. وكل عام وأنتم ومَنْ تحبون بخير.