بين انقطاع قلمٍ خلال شهرٍ كريم، وأفراح عيدٍ أنيق.. في مجلسٍ هنا، تجهم صوت كبيرهم جهراً بعد صلاة العيد: مظاهرُ الفرح والعيد تغيرت.. وآخر في عجز المجلس (يشارك): عيدٌ أغبر وأجيالٌ لا تعرف للفرح عنواناً.. وثالث (يعقب): صدقتم وربي، أين كانت أعيادنا وأين هي الآن، لا لون لها ولا طعم...؟! ويبدأ كل شخصٍ باستعراض ما استطاع من مواقفَ وطقوس المباهج والأعياد القديمة تحت وطأة أسطوانةٌ مشروخة مكررة، تطفو بأحاديث محبطة تتداولها مجالسنا، ليتماهى ذلك السرد مع إصدار الحُكم على أجيال اليوم قسراً وبكل أدوات الجلد والنفي والنهي بأن شعورهم بالفرحة مبتور، ولم تكتف تلك الرؤى والأحكام بل تصر على أن تستنسخ من حياتنا نسخةً كما هي لأبنائنا، ولا تزال بسلطويتها تعلن ألا فرح لهم أصلاً! حكمنا عليهم بالتبعية من خلال إصدار قوالب جاهزة نردّدها في أحاديثنا ومقالاتنا، وتحقيقاتنا الصحفية العتيقة في كل عيدٍ لتقبع بين رحمة قوالب هذا العيد لم يعد عيداً و(هذا ما وجدنا عليه آباءنا)، ومنظومة الأنموذج الحيّ للسايكلوجيا العامة لحياة أمتنا ومجتمعاتنا التي جعلت من مراثي معن بن زائدة والخنساء وابن الرومي امتداداً لأروقة العزاء تباكياً على الماضي بمناسبة أو دون مناسبة، حتى غدت الجينات تراوح في خلايا الأمس واليوم والغد بازدراء الخيبة دائماً، وامتدادٍ لثقافةٍ جعلتنا نردّد ونكرّر أبياتاً وحِكَمَاً تحاصرنا في دائرة المبرر دائماً، فغدت حياتنا كجزء من العيد مناحةً نتباكى عليه بشطر بيتٍ كئيب يجرك إلى الإحباط، ثم ورّثناه قاعدةً للأجيال (عيدٌ بأية حال عدت يا عيد..)، لنهرب به بعيداً هناك عنا وعن أطفالنا وحياتنا بل ديننا!. يقول ماسلو: "إن الذي في يده مطرقة يميل إلى الظن بأن كل ما حوله مسامير". لذلك فالجميع مشترك في قتل فرحة أعيادنا وطقوسنا وليالينا بدءاً من المعطيات الموروثة السابقة، إلى المجتمع الذي يترنّح في الزمن المتسارع بظروفه الاجتماعية والاقتصادية التي نقلت مجتمعنا إلى غياهب الحياة المادية الزائفة بكل معانيها؛ فنُفيت الحميمية بين أواصر المجتمع، وسُلمت المشاعر ترهلاً للتقنية بين رسالة جوالٍ أو إيميلٍ مقتضب بعبارات مستهلكة خالية من الأحساس، أما مؤسساتنا التربوية فما زلت مصراً أنها – أيضاً- شريكٌ رئيس في كل جزء من حياتنا فلا يُعفى لها هنا تكريس لخلق التجهّم وثقافته المنتشرة في مدارسنا عبر بعض منسوبيها أو برامجها أو مناهجها التي يفترض أن تكون المدارس والجامعات هي الحاضن لها ومالكةً لتعزيز إيجابيات السلوك والحياة، فبات الفرح في حياة الكثيرين من أفراد مجتمعنا وأبنائنا مفردة غير مألوفة المعنى بسبب فجوة عميقة بينها وبين ثقافة تشكلت نحو المصادرة!. تقول الكاتبة الأميركية جنيفر إيتون: "يجب النظر إلى البيئة باعتبارها مركزاً للفرص التي تمنح أبناءنا الاستكشاف والاطلاع، فتكون بمثابة مصدر للمعلومات والبهجة والسرور وتجعل للحياة معنى". فلماذا لا نشارك أبناءنا فرحة العيد كاملةً بدلاً من الندب والنقد، بل وكما يريدون هم؛ فمعرفة حدود مظاهر فرحهم تجعلهم يتشبعون أماناً نفسياً واجتماعياً، ومرده تأثير كبير في اتجاهات حياتهم نحو حيوات أخرى من التفاؤل والأمل وصناعة الحياة، فثقافة الفرح تحتاج إلى بيئة مناسبة بذرتها تُغرس أولا في المنزل والمدرسة والمجتمع متناسقةً مع مساحات الأجيال التي يرغبون فيها باتجاهاتهم واستعداداتهم. الحياة الجميلة موجودة دائماً تحفنا من جميع الجهات وما بينها، تحاول الترحيب بنا، احتضاننا، لا تريد شيئاً سوى قناعة، ابتسامة، تغيير من الداخل يجعل لنا ولها معنى، فالإنسان هو الإنسان، هو من يفرض ويمرر الحزن والكآبة حتى الإحباط، وهو نفسه من يصنع الفرح ويعمل على إدخال البهجة والسرور إلى نفسه والآخرين بثقافة الفرح والمودة والحب والعلاقات الإنسانية والآمال الزاهية التي تسعدنا وأجيالنا حتى نقطف بها ثمار الحياة وبهجتها، ويظل جمال أعيادنا ضياءً في قلوبنا؛ ولنكتب عيدنا وهجاً للحياة .. للأوطان .. للإنسان، وكل عيد وأنتم وأجيالنا بهجة الفرح وبسمته.