لم نختر بإرادتنا أن نُحبه، ولم يكن هو من فعل ذلك بالتأكيد، سبب غامض ألهمنا الحُب، هذا السبب أقرب لفلسفة (الفطرة) التي تأنس للمألوف، وأبعد كثيراً من عمق «الماورائيات»، ربما لأننا نشعر بأنه يشبهنا-هذا الشعور استثنائي من مواطن تجاه مسؤول- له أطفال يستقبلونه ويرتمون في حضنه عندما يعود من العمل، وزوجة فاضلة تسأله بحنان وعطف عن سبب تأخره، وله أُم عظيمة كأمهاتنا ترفض أن تكون الصحيفة التي فيها صورة ابنها (سُفرة للطعام)، وتبتهج عندما ترى صورته في التليفزيون، تدعو الله أن يوفِّقه ويعينه على الأمانة العظيمة، بل وحتى اسمه الذي لم يختره يتواطأ مع الحُب، (توفيق) اسمٌ أقرب للدعاء من النداء، اسمٌ فيه ملامح أبناء الحيّ وعرقهم وبساطتهم وأحلامهم، وأيضاً (توفيق فوزان الربيعة) هذا حقلٌ وليس اسم ثلاثي، توفيق في ذاكرة (الحارة) لا يمكن أن يكون هو (العمدة)، هو أقرب لملامح (الولد) الذي يراهن المحبطين على أن الإنسان يستطيع أن يفعل ويغيّر متى أراد ذلك، وليس قولاً فقط يُبادر لُيري الآخرين أن كل شيء هو ممكن، فيما (العمدة) يكتفي بأن يزفّ البُشرى القائمة أصلاً على وعد (أبشر..يصير خير) .. كوزير- وهذا شعور شخصي- يلبس البشت بطريقة تُشبه لبسنا له في ليلة الزواج (شكل هندسي لا علاقة له بالأناقة)، أما عندما تلتقطه عدسات الجوال بشكل عفوي وهو يقوم (بعمله) بمراقبة الأسواق تعود صورة صديقنا ابن الحارة الطموح، في الوقت الذي (يهدد) وزير من يسأله بمغادرة المكان على الرغم من أنه يستطيع أن يقول إن ذلك ليس من اختصاص وزارته، يقوم هو بتلقّي البلاغات والشكاوى، بل ويتواصل مع المُشتكي ليخبره بأن المخالفة التي بلّغ عنها اتُّخذ بحقها الإجراء النظامي، وهو بالتأكيد لم يحقق (جميع) الطموحات، ونحن نرى أن نقصا – وحق لنا ذلك- من باب (القادرين على التمامِ)، لكننا في نفس الوقت نطمئن تجاه من نراه يعمل وعندما نعاتبه يقول بالفعل مازلنا مقصرين ويدعونا لمساعدته، فتح قلبه وإيميليه وحسابه في توتير، وصرخ: (بلّغ)، لكننا قوم مترددون ومحبطون، والسبب ليس فينا ولا في توفيق، السبب أننا لم نستوعب بعد أن هناك شابا مثلنا يعمل في منصب«وزير»! هي دعوة لكل وزير «تكفى» انزل إلى الشارع ستجد أناساً يحبونك ويساعدونك في إيجاد الحلول، فقط اجعلهم يشعرون بأنك تشبههم!