ببساطة شديدة.. ودون مبالاة.. يمسك الشاب حجراً أو قطعة حديد.. ويهشم زجاج سيارة مملوكة لشخص لا يعرفه.. ليسلبها أو لمجرد المتعة.. فبعض من الشباب يعتبرها مغامرة تستحق العناء. هو وقرناؤه من «الأشرار الصغار» ممن ارتضوا الجنوح ومارسوه.. رسموا ملامح الخوف والقلق على أهالي كثير من الأحياء.. فقبل سنوات.. لم تكن الظواهر المرتبطة بجنوح الأحداث منتشرة بالحد الذي أصبح مصدر قلق. لكن الأمر تخطى مجرد العبث الصبياني الذي يهواه عديد من المراهقين إلى مستوى العمل الإجرامي، الذي أصبحت تقف وراءه عصابات منظمة تتقن التخطيط لسرقة السيارات، ومن ثم تفكيكها تمهيداً لإخفاء معالم الجريمة، ومن ثم بيعها كقطع غيار لمحلات التشليح المنتشرة على أطراف المدن. أعلى المعدلات وما يثير القلق فيما يتعلق بهذه الظاهرة، أنها أصبحت أكثر تنظيماً واحترافية، وبات الشباب العابث في الشوارع أدوات فاعلة، تشارك فيها بمقابل لتجعلها تجارة رائجة. وتشير الإحصائيات الأمنية التي تتداولها وسائل الإعلام، إلى أن جرائم سرقة السيارات أصبحت تتصدر مشهد الجريمة على مستوى المملكة، وبنسبة تصل إلى 14% من إجمالي الجرائم في المجتمع. ولعل أهالي المنطقة الشرقية، يلحظون هذه الظاهرة بوضوح، بل وأصبحوا يألفونها من كثرة تكرارها، خاصة في المحافظات والمدن الصغيرة بالمنطقة. وارتبطت جرائم العبث في الشوارع، ليس فقط بسرقات السيارات، بل تعدتها إلى نوع من الجرأة على رجال الأمن، والتعدي على بعضهم أو على سيارات الدوريات. وهو ما نادى معه مختصون بسرعة تكييف حلول فاعلة لمحاصرة هذه السلوكيات قبل أن تنتقل من إطار العبث إلى إطار الجريمة المنظمة. جريمة تتكرر في حفر الباطن، تابعت «الشرق» نماذج من تلك السرقات، حيث عبث مجهولون بزجاج سيارتين «لكزس» و«كامري»، في حي البلدية، ولما لم يجد العابثون مالاً أو مقتنيات ثمينة في السيارتين، مزقوا المقاعد وحطموا بعض التفاصيل داخلهما. الدوريات تحركت سريعاً للتحقيق في الحادثين بعد تلقيها بلاغين من مالكي السيارتين، ورفعت البصمات ليواصل فريق أمني متابعة العابثين. لكن الحادثين ليسا سوى نماذج لما أصبح يتكرر باستمرار في مدن عديدة بالمنطقة. التنشئة الأولى الدكتور ماطر الفريدي ولم يستغرب الاستشاري النفسي إكلينيكي د. ماطر عواد الفريدي أن يرتكب مراهقون مثل هذه السلوكيات العابثة، بل يعتبر السرقة من أشهر الاضطرابات السلوكية لدى الفرد ومن العادات السلوكية المكتسبة، التي قد يلجأ إليها الحدث الجانح لإشباع ميول أو حب في المغامرة. ويرد الفريدي هذه السلوكيات إلى إحساس بالحرمان أو التدليل المفرط في مرحلة الطفولة وتتولد في الغالب نتيجة لنشأة الطفل في بيئة لا تحترم الصدق قولاً وعملاً. ويميل إلى منظومة متكاملة لمواجهة هذه السلوكيات تتشارك فيها الجهات الرقابية والجزائية والتربوية والنفسية لدراسة دوافع ارتكاب تلك السرقات. لكنه يؤكد أنه من المهم ألا نطلق ألقاباً أو صفات قد تؤثر على صحة الجانح النفسية، ومن ثم لا يجد مفراً من التخلص من تلك الصفة فيعاود ارتكاب جرائمه مستقبلاً. ونصح بتنشئة الأطفال على احترام ملكيات الآخرين، وأن يحافظ على قيم ومبادئ المجتمع ويتجنب التورط مع أصحاب السوء والتساهل في موضوع السرقة، حيث من الوارد جداً أن يتورط هذا الاضطراب إلى نوع من المرض النفسي، داعياً إلى عرض السارق على مختص نفسي لدراسة سلوكه ودوافعه ووصف العلاج السلوكي والمعرفي له. شخصية سيكوباتية الدكتور وليد الزهراني ويُسَلِّم الاستشاري النفسي الأكلينيكي الدكتور وليد الزهراني، بأن جنوح المراهقين للسرقات، مشكلة لا ترقى إلى مستوى الظاهرة، لكنها موجودة ولها أسباب عديدة، ويبين أن فترة المراهقة تعتبر حساسة بشكل كبير ويكثر عند المراهق فيها العناد وعدم تحمل المسؤولية. ويقول إن هذا لا ينطبق على جميع المراهقين، بل عينة منهم. مشيراً إلى أن الجانحين لا يتقيدون عادة بالأنظمة والعادات والتقاليد، بل يحاولون الخروج عن المألوف بحيث يأتون بتصرفات غير لائقة وسلوكيات خاطئة كالكذب والعدوانية، وقد تصل إلى حد السرقة أحياناً، فالمراهقون الذين يقومون بسرقات صنفوا تحت ما يُعرف بالشخصية «السيكوباتية» أو الشخصية المنافية لأخلاقيات المجتمع بحيث تجد المراهق يأتي تصرفات تخالف المجتمع وبعكس ما يطلب منه كالتصرفات الطائشة والخطرة، والبعض يلجأ للتفحيط والمخدرات، والسرقة. دوافع ويرد الزهراني السرقات لأسباب عديدة، لكنه يرى في صدارتها تجاهل الأهل بعض السلوكيات التي يأتيها الصغار حين يلجأون في مرحلة مبكرة إلى أخذ ما لا يخصهم، وبينما يغفل الأهل خطورة ذلك، يكبر الطفل وقد اعتاد السرقة، وعدم العقاب. لكنه يلفت النظر أيضاً إلى أن من الدوافع الكامنة وراء ذلك، السلوك الانتقامي، فأحياناً تجد الأب متسلطاً على المراهق يضربه أو يهينه، فيلجأ المراهق إلى السرقة ليشوه صورة والده أمام المجتمع. ومن ذلك أيضاً أن تكون للمراهق متطلبات شخصية تحتاج إلى المال لإشباعها، ولكنه لا يجده، فيلجأ إلى السرقة، مشيراً إلى أن عصرنا الحالي فاق التوقعات بالغلاء المعيشي، ومن ثم يضطر المراهق إلى السرقة كي يظهر في أحسن صورة أمام قرنائه. وثمة أسباب عديدة أخرى كالحاجة والفقر حيث يلجأ بعض المراهقين إلى السرقة لبيع الأغراض المسروقة كي يعوضوا بها أسرهم عما يحتاجون إليه. وقال إن بعض المراهقين يفاخرون بسرقاتهم أمام قرنائهم إلى الحد الذي جعل السرقة بالنسبة لهم مجالاً للتنافس. هيبة رجل الأمن وبالقدر الذي اعتاد فيه المجتمع على بعض تجاوزات المراهقين والجانحين منهم على وجه الخصوص، بقدر ما يشعر كثيرون بخطر التمادي في تلك الجرائم، خاصة بعد أن أصبح ضررها بالغاً على المجتمع. وبينما يمكن للناس ان يتحملوا اعتداءً من مراهق على سيارة أو منزل أو غيره، فإن ما يثير القلق فعلاً أن يروا أحدهم يعتدي على رجل أمن قولاً أو فعلاً، أو يعرضوا حياة الآخرين للخطر من خلال ظواهر كالتفحيط والتخريب. وهو أمر يستنكره كثير من الناس لما يمثله هذا الاتجاه من مساس برمز الأمن في المجتمع. في قول عبدالعزيز الحبلاني، محامٍ، إن لرجل الأمن هيبته ولابد أن يُحترم، وتنفذ كامل متطلباته أثناء استيقافه لأي شخص مشتبه به، ويعتبر أن احترام رجل الأمن ومساعدته واجب على كل مواطن، محذراً من أن عدم التعاون معه أو التطاول عليه يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون. ويرى رأيه عبدالله الطراد، ويضيف أن المواطن يفترض أن يكون رجل أمن قبل أي شيء آخر، معتبراً أن من شيم المواطن الغيور على وطنه احترام رجل الأمن. وأشار إلى أن تصرف بعض المراهقين، لابد أن يواجه بالردع، خاصة ما يتعلق بالأمن ورجاله. وقال كلنا رجال أمن وولاؤنا لوطننا يحتم تعاوننا من أجل أمنه واستقراره. ويطالب أحمد عبدالعزيز بوضع حد ونظام صارم لمعاقبة مَنْ يتعدى على رجال الأمن، مع حفظ حق رجل الأمن. ويشير سلطان العنزي إلى أن التربية والأسرة لهما دور كبير في تربية الأبناء. مؤكداً أن التعاون مع رجال الأمن ينبع من داخل الأسرة، فالبيت والأصدقاء هم أكبر مؤثر على الشخص. ندرة لا تنفي الظاهرة المقدم زياد الرقيطي ولا ينفي أثر تلك الحالات، كونها محدودة أو نادرة، حيث إن طبيعة مَنْ يتم استهدافهم تضفي أهمية خاصة على الأحداث. لكن الناطق الإعلامي لشرطة المنطقة الشرقية المقدم زياد عبدالوهاب الرقيطي يؤكد أن تلك الحالات نادرة، إن وجدت، مشيراً إلى أن الإجراء المتبع في مثل هذه الحالات، يتمثل في إحالة المشتبه به أو مَنْ يقاوم رجل الأمن إلى هيئة التحقيق والادعاء العام بعد استكمال إجراءات الضبط الجنائي للواقعة. وقال إن رجال الأمن بكل القطاعات، خاصة العاملين في الميدان يدركون كيفية التصرف مع هذه المواقف وما يتعين عليهم القيام به في مثل تلك الحالات كما يعلمون ما لهم من حقوق لقاء ما يتم رصده من قضايا هذا النوع. وتبقى المظاهر المرتبطة بالجنوح مصدر قلق وتساؤل عن آليات كبحها، فالعقاب هو الجزء الأسهل في مواجهتها، لكن الإصلاح يبقى دائماً الخيار الأصعب. يخرب العابثون السيارات التي لا يجدون فيها ضالتهم