من أهم أسباب الإسراف على موائد رمضان حالة الجوع التي يمرّ بها الصائمون! فالزوجة تطبخ تحت إلحاح الجوع استجابةً لوهم جوعها «بطبيخ ونفيخ» أكثر مما تحتاجه أسرتها؛ وكذا «أبو عيالها» الذي ينزل للسوق جائعاً فيشتري ما يزيد عن الحاجة من «الأشربة» والحلويات؛ والنتيجة إرهاق للميزانية وفائض أطعمة يرمى في «القمامة»! والجوع والظمأ مبعث اشتياق دائم؛ والاشتياق مبعث الشعر والقصائد! وسأستعير أبياتاً نقلتها من كتاب (قصيدة البيت الواحد) لخليفة التليسي لتكون من باب المجاز؛ ففي فترة العصر -التي تشهد تنامياً في الاشتياق للطعام والشراب- قد يمرّ الصائم بال«كنافة» ولسان حاله يقول: (إذا ما دنت زدت اشتياقاً وإن نأت/ جزعتُ لنأي الدار منها وللبعد)! أما الكبدة خصوصاً «الحاشي» منها فيحسن فيها القول: (هوى ناقتي خلفي وقدّاميَ الهوى/ وإنّي وإيّاها لمختلفانِ)! أما القهوة فلا أدلّ على الاشتياق لها ول«كافيينها» ببيت الشعر: ( صحا قلبه عنها على أن ذَكْرَةً/ إذا خطرت دارتْ به الأرضُ قائماً)؛ وأما «لقمة القاضي» فلا يحسن فيها سوى: (علقت الهوى منها وليداً فلم يزل/ إلى اليوم يُنمى حبها ويزيد)! أمّا «قمر الدين» فهو: (وإنك أحلى في جفوني من الكرى/ وأعذب طعماً في فؤادي من الأمن)! وأمّا «البقلاوة باللوز» ف(أعطيت من كلّ حسنٍ ما اشتهت/ فرآها كل طرفٍ فاشتهاها)! طبعاً هناك أشياء غالية لا يستطيع الإنسان -حسب قوّته الشرائية- أن يفوز بها فلا يعيبه ذلك من باب: (إنّ التباعد لا يضرّ/ إذا تقاربتِ القلوبُ)! وأخيراً تبقى «السمبوسة» بعد حظر قليها في هواء الشارع الملوث مشابهة ل»حجبوها عن الرياح لأنّي/ قلتُ يا ريح بلغيها السلاما)! وآخراً: (ليس يغني الهوى من الجوع شيئاً/ حين يفنى في الخان زاد الغريب/ إنّ للجوع صولةً تذهب الوجدَ/ وتنسي المحبّ ذكر الحبيب)! وصياماً مقبولاً.