هنا قصيدة شفيفة منساقة لطيفة تتيع حرفها لاهثاً ولم تزل .. هذا النص الفاتن يلاحظ عليه ما يلي :- 1- لقد دشنت الشاعرة معلقتها بالمناجاة، بالبوح، باستنطاق الحروف لعلها تتداعى لها الكلمات، تترى، فغزلت أجمل نسيج، يفوح، رقة، وعذوبة ولنقل تقريرا مباشرا، استدعى المماثلة وأمام القرّاء، وكأن الشاعرة،أرادت أن تعقد بيننا شراكة، وانقدنا لذلك، طواعية،ودعوني هنا، استحضر، ما يجول بمخيلة هذه الشاعرة :- (الشاعرة ماثلة في قاعة المحكمة، والنص الفاتن، كان محور، المداولة، ولأول مرة يكون القاضي، والحاضرون، متعاطفين، حتى هوى القاضي، بمطرقته، معلناً الحُكم النهائي، ودموعه تتساقط، رطباً جنياً) 2- اختيار الشاعرة لقافية (القاف) لم يكن عبثاً " وربما لم يدر بذهنها ذلك عند كتابة نصها " لأنه من حروف القلقلة أي يدل على الأرق، والسهر، والاشتياق، ولوعة خافق،، وحرقة، وحسرة ..وعندما تشتاق ابنة بارة،بأمها، فما أجمل هذا الحب! هذه القافية ألزمت النص بإيراد كلمات ومعانيها تقطر جمالا من مثل (اشتياق، الرقراق، رفاق....) 3- كثيرة هي الصور الفنية هنا ولكني استحلب بعضها فهي تقول :- أيسمع هاتفا يشجو حنينا أيسمع حينها صوتا رقاقا يهدهده يناغمه بلطف يمد يديه يلثمه اشتياقا الله ما أبهى هذه الصورة ..صورة الطائر الذي بلله المطر ولا زال نبت ريشه،لم يكتمل بعد فهتزّ عشه، فجأة، فهوى، وأتت أمه، مسرعة، تتلقفه، بجناحيها، وتعيد له الحياة، في عشه الآمن، ولم تتركه، حتى نام، قرير العين، منعما، هنا الشاعرة استمطرت،الأنشودة الشعبية، وتتذكر طفولتها الجميلة عندما تهدها امها بقولها: دوها يا دوها، الكعبة بنوها. 4- أبيت منادما ليلي ودمعي وأشرب في النوى كأسا دهاقا يعجبني الشاعرة كثيراً في تناصه وقد دبّجت الشاعرة هنا هذا المعنى ولكني لي رأي آخر (رغم أن فراق الأم، أمر جلل لا يعادله أي مصيبة، لكن الإتيان بكلمتي (كأساً دهاقاٌ) لم يكن في مكانه من وجهة نظري، لأن من يشربه،هم المتقون هناك في الجنة ! كما تقرر الآية في سورة النبأ إلا إذا أرادت الشاعرة جلد نفسها، بعدم بكائها، وتذكر أمها،في كل ثانية،فيصير المعنى،مندهشة رغم الفراق (أأشرب كاساً حلوا، وبيدي أحثو على قبرها التراب؟!) 5- أختم هذا التعليق بأن هذا النص الشعري قطعة أدبية فاتنة بنته الشاعرة حجراً حجراً، فأصبح حصناً منيعاً، ومزاراً، يدهش الحاضرين، بروعته، وتنظيمه أيا أمي أناديك اشتياقا وأذرف في النوى دمعا مراقا فيبكي القلب أياما طوالا ويفزع كلما ذكر الفراقا ذكرتك والفؤاد له حنين لحضنك باكيا يبغي العناقا وبرد يديك يسري في فؤادي ليطفئ فيه لوعا واحتراقا ************ أيا أماه بعدك كيف أسلو؟! وكيف أذوق في عيشي الوفاقا؟! فلا الأيام تسليني إذا ما فؤادي حار من حزن وضاقا أبيت منادما ليلي ودمعي وأشرب في النوى كأسا دهاقا ويذكرني الرفيق ليحتويني ومن فرط الجوى أنسى الرفاقا ********* كأني يوم نعيك مثل طير هوى من عشه فزعا ففاقا يصفق في جناحيه ارتعاشا وصوت أنينه زاد اختناقا فلا يدري لأي الدرب يمضي وإن يدري فذاك الدرب ضاقا أيسمع هاتفا يشجو حنينا أيسمع حينها صوتا رقاقا يهدهده يناغمه بلطف يمد يديه يلثمه اشتياقا ********* فكم أماه في نفسي حروف تهامسني تود لها انفتاقا ملأت بها سطورا في فؤادي أترجمها لأهديها الرفاقا أيا أمي أناديك اشتياقًا وأهرق دمعة تشكو الفراقا