تعرف الساحة السياسية في تونس سعياً من كافة القوى والائتلافات لصياغة أوسع التحالفات استعداداً للاستحقاقات المقبلة بغرض خلق معادلات جديدة تتجاوز الواقع الذي أفرزته انتخابات 23 أكتوبر 2011. وعرف المشهد السياسي التونسي ميلاد أحزابٍ وتحالفاتٍ جديدة ستكون حسبَ كلِّ الاستطلاعات ذات شأنٍ بالتوازي مع تراجع شعبية الائتلاف الحاكم بقيادة حركة النهضة الإسلامية، وهو تراجع بات ملاحظاً ومعترفاً به حتى من طرف المنتسبين إلى هذا الائتلاف معللين إياه بضريبة السلطة ونتيجةً لإدارة البلاد في مرحلة انتقالية تتسم بالضغوطات. وفي ذات السياق، شهدت الفترة الماضية تقارباً ملحوظاً، بدا مفاجئاً للبعض، بين الجبهة الشعبية، وهي ائتلاف يضم 12 حزباً يسارياً وقوميّاً، والاتحاد من أجل تونس، وهو ائتلاف مماثل من 5 أحزاب ليبرالية يتزعمها حزب نداء تونس الذي يقوده رئيس الحكومة الأسبق الباجي قائد السبسي. وبدأ هذا التقارب بعد إطلاق الجبهة الشعبية مبادرة وطنية للإنقاذ تضم كافة القوى الديمقراطية والمدنية، ورحبت مكونات الاتحاد من أجل تونس بالمبادرة معلنة استعدادها للتفاعل الإيجابي معها. وعُقِدَ يوم الجمعة الماضي اجتماع بين الطرفين في العاصمة تم خلاله التطرق إلى مجريات الوضع السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد وجرى الاتفاق على تنسيق المواقف من أجل تهيئة الظروف المناسبة لاستئناف الحوار الوطني. وأكد القيادي في تحالف الاتحاد من أجل تونس، سمير بالطيب، أن «هناك حواراً جدياً مع الجبهة الشعبية لتكوين جبهة سياسية مدنية»، وأضاف أن «تونس تعيش في مفترق طرق ومصلحتها تقتضي توحيد المواقف من أجل بناء مشروع تونسي واحد». في الوقت نفسه، أوضح الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية، حمة الهمامي، أن الجبهة تطرح مبادرة الائتلاف الوطني من 4 نقاط وهي: إنهاء الفترة الانتقالية والمصادقة على دستور ديمقراطي، التصدي للعنف والإرهاب، إيجاد إجراءات عاجلة للتصدي لغلاء الأسعار ومجابهة البطالة والتصدي لبيع خيرات الوطن والارتهان لصندوق النقد. ويرى المدافعون عن هذا الالتقاء بين الجبهة الشعبية والاتحاد من أجل تونس أنه ضرورة فرضتها محاولات تغيير طبيعة المجتمع التونسي والالتفاف على مكاسبه الحداثية من طرف حركة النهضة الإسلامية ومن يدورون في فلكها، إضافة إلى كونه يشكل دعامة أساسية للدفاع عن قيم المواطنة والديمقراطية وذلك رغم اختلاف المرجعيات السياسية والفكرية بين الطرفين. ويعتبر استعداد الجبهة الشعبية للتنسيق مع الاتحاد من أجل تونس، وخاصة حزب نداء تونس، تطوراً جديداً في مواقفها حيث كانت إلى زمنٍ قريب ترى هذا التعاون مستحيلاً وتصفه ب «محاولة لإعادة إنتاج النظام السابق». وقد يكون هذا التقارب الجديد مقدمة، من وجهة نظر مراقبين تونسيين، لتعميق التحالف بين طرفي المعارضة الرئيسيين للائتلاف الحاكم.