الإسلام منذ قيامه كان كل شيء فيه متحركاً إلا العقيدة «إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء» (النساء: 48). جاء القرآن الكريم، قطعي الدلالة ليقطع في أمر العقيدة وأمور أخرى تؤسس لبناء منهج الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين ومؤكداً حرية الإنسان في اختيار دينه، «لكم دينكم ولي دين» (الكافرون: 6)، وموجهاً باستخدام العقل في الوصول إلى اليقين والإيمان، «أفلا يعقلون»، «أفلا يبصرون». جاء المنهج الإسلامي حضارياً حداثياً لينقل الإنسان من الجهالة وعبادة الأصنام إلى نور العقل المرشد إلى عبادة الله. جاء الإسلام محرراً للعبيد ومانعاً للعبودية، جاء الإسلام ديمقراطياً مانعاً لاحتكار الرأي والسلطة «وأمرهم شوري بينهم» (الشورى: 38). جاء الإسلام محرراً للمرأة ومدافعاً عن حقوقها ورافعاً ظلم الرجل عنها واستعباده لها. جاء الإسلام رافعاً لمكانة الإنسان وعقله ومانحاً له حرية التواصل والاتصال بربه دون وسيط أو كهنوت، أرسل رسولاً أمياً أميناً صادقاً لكي يبلغ رسالته لعباده ولكي يكون موضوع البلاغ هو القرآن والقرآن وحده وليس قول نبي أو حكمة كاهن، وقد نهى الرسول أن يُكتب حديثه خشية الالتباس بين قول النبي وقول الله كما حدث في تاريخ الأديان السماوية السابقة. وبعد وفاة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أصبح المرجع الأساس قطعي الدلالة هو القرآن الكريم وقول الرسول صلى الله عليه وسلم المتطابق والمتوافق مع القرآن الكريم. لم يكن في الإسلام الذي جاء به محمد سني وشيعي، سلفي ووسطي، صوفي وعلماني حنفي وحنبلي. كان هناك دين إسلامي واحد بني على الفطرة التي فُطر الناس عليها لذا كان الإسلام ديناً للعالمين جميعاً، يقول سبحانه وتعالى في محكم كتابه وفي آخر آياته «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا» (المائدة: 3). ويقول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي». جاء الإسلام فيما أراده الله للإنسان وما أراده هو من الإنسان كاملا «وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون» (الذاريات:56، 57). انتشر الإسلام في بقاع الأرض وعلى مدى ألف وأربعمائة عام أو يزيد بقوة مبادئه التي رفعت الإنسان وكرمته وأعلت شأن العقل وحكمته ورفعت الظلم عن الإنسان وحررته ولم ينتشر الإسلام بقوة سيوف المسلمين وأفعالهم الأوائل منهم أو اللاحقين. الساحة العربية والإسلامية قديماً وحديثاً تعج بالطوائف والأحزاب الإسلامية، من الإخوان والسلفيين والوسطيين والسنة والشيعة والصوفية والمعتزلة والجهمية وغيرها، بعض منها يجتر أصوله من الزمن البعيد وبعضها من الزمن القريب وكما هي حال الأوائل من رجال الدين الملتفين بعباءة السياسة أو اللابسين لها يستخدم بعض رجال الدين السياسيين اليوم الإسلام مطية للوصول إلى الحكم، ورغم أن ركوبهم الإسلام وسيلة للوصول إلى الحكم أوصلهم إلى سدة الحكم إلا أنه أضر بجوهر الإسلام وقيمه العليا حيث زج به في مستنقع السياسة وهو أكرم من ذلك وأشرف. السياسة لا تحكمها القيم والمبادئ بل الظروف والأحوال والأخذ والعطاء والفشل والنجاح، فكيف سيحمي هؤلاء الإسلاميون السياسيون الإسلام من فشلهم عندما يفشلون؟ هل سينسحب هذا الفشل على الإسلام لدى العامة وغير المسلمين؟ سؤال يجب أن يجيب عليه ويتحمل وزره من زجوا بالإسلام في أتون السياسة كما فعل من قبلهم وهم يعلمون. المملكة العربية السعودية قامت دولتها وأقامت شرعيتها على الإسلام. فعلى أرضها نزل القرآن وولد الإسلام ومن أبنائها وعلى أرضها بعث محمد بالرسالة التي حملت قيم الإسلام ومبادئه النقية الصافية التي لم تمسها يد التأويل والتفسير. هذه البلاد هي قبلة جميع المسلمين بكل أطيافهم وطوائفهم، بكل مدارسهم وشيعهم. المملكة العربية السعودية في الإطار الإسلامي هي الدائرة الكبرى كما قال الأستاذ زياد الدريس (جريدة الحياة الرابع من يناير 2012) التي يجب أن تمثل القيم والمبادئ الإسلامية في جوهرها النقي الصحيح كما نزلت على محمد قرآناً حفظه الله «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» (الحجر: 9). استنهضني لكتابة هذا المقال الندوة التي نظمتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض في يومي الثلاثاء والأربعاء الثاني والثالث من صفر 1433ه بعنوان (السلفية منهج شرعي ومطلب وطني) وأظهر منظموها عن قصد أو دونه أن السلفية هي المنهج الإسلامي السعودي. يقول الدكتور عبدالله بن فهد االلحيدان (جريدة الحياة السادس من يناير 2012) « فالسلفية دعوة ليست حزبية ولا مذهبية إذ نادت بتجاوز التعصب المذهبي بين المالكية والشافعية والحنبلية والحنفية في القديم وترفض الحزبية في العصر الحديث فهي تعتبر أن جميع أهل القبلة مسلمون والمرجعية هي الكتاب والسنة». وأقول إذا كانت السلفية ترفض المذهبية والطائفية والحزبية فإذن لماذا تضع لها اسماً خاصاً يميزها عن بقية المسلمين وتصر عليه وتريد أن تنقحه مما علق به من شوائب وتقيم مؤتمراً عالمياً لذلك وتجعله مطلباً وطنياً وسياسياً؟ هل السلفية هي عقيدة الدولة السعودية، أم إن الإسلام الشامل والجامع للسلفية وغير السلفية هو منهج وعقيدة هذه الدولة منذ قيامها؟ الإسلام هو دين السلف الصالح وعقيدتهم البيضاء التي ليلها كنهارها، فالإسلام هو المنهج الشرعي والمطلب الوطني الذي ارتضاه أهل هذه البلاد قديماً وحديثاً. واقع السلفية في أكبر دولة عربية إسلامية (مصر) يقول إنهم حزب سياسي يبحث عن الحكم ويصبو إليه ويكافح وينافح من أجله. فهل نريد أن نزج بأنفسنا في هذا الموج المتلاطم من الإسلام السياسي ومسمياته وأهدافه ومناهجه المختلفة؟ ليس الهدف من هذا المقال مناقشة المنهج السلفي فهذا شأن المهتمين بالطرق والمناهج التي استغنيت عنها جميعها بالمنهج الأساس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه: القرآن الكريم والثابت المطابق لما جاء في القرآن من سنة نبينا محمد، وإنما الهدف منه هو القول إن كل هذه الطوائف والمناهج دوائر صغرى لا تتسع حجماً وقيماً لمبادئ الإسلام العظيمة الشاملة المانعة السمحة التي ترسم محيط الدائرة الكبرى موقع المملكة العربية السعودية في العالم الإسلامي وهذا ما أعتقد أن سمو ولي العهد أراد قوله في خطابه الافتتاحي للمؤتمر.