الباحة – علي الرباعي الزهراني: إنجازات «ورشة الطائف» تنطلق من «صندقة» تنامت في أذهان حضور العمل المسرحي « الجثة صفر» على مسرح تعليم الباحة مساء أمس الأول، أسئلة المصير المأساوي لمن طاولته حرفة الأدب والفن، وأسباب الوضع المزري للمثقفين والكُتّاب، والنظر إليهم بريبة، وتوجيه التُهم لهم باعتبارهم كائنات غير مرغوب بها، نظراً لما تسببه شخصياتهم المركبة من إشكالات وما يؤجّجه طرحهم من صراع مع السلطات الأمنية والاجتماعية والدينية. ونجح كلٌ من مؤسس فكرة العمل وكاتبه فهد ردة الحارثي ومخرجه سامي الزهراني في التعبير عن أوجاع المثقفين برمزية غير موغلة في الغموض من خلال نص مُكثّف اعتمد في حيثياته على أطروحات مواقع التواصل الاجتماعي، وتناغمت على خشبة المسرح أصوات وحركات فريق من المؤدين: ممدوح الغشمري، عبدالله هوساوي، خالد الثقفي، رامي الثقفي، متعب الشلوي، عبدالله عسيري، شاكر بك، حسين سوادي، ومحمد الخالدي، فيما أتقن كلٌ من جميل عسيري، عبدالله الحارثي، صديق حسن، عدنان الخمري، عبدالله خلف، وسلطان المنصوري، أدوارهم في الدعم اللوجستي إضاءة وصوتاً وجرافيكاً وسينوجرافيا، ليبلغ العمل ذروة التكامل في إيصال الفكرة بلغة فاتنة وحركة منضبطة وإيماءات موحية وقابلة للتأويل، وغدا الحضور يبحث مع المسرحيين عن» الجثة صفر» التي فُقدت، وقُيّدت الجريمة ضد مجهول، علماً أن أطراف القمع يتحملون وزر العذابات المؤصلة في المثقف، برغم ادعاء كل طرف براءته من دم كائن مسكون بهوية وآدمية الإنسان. وحول العمل، أوضح المخرج سامي الزهراني أن المسرحية كُتبت كتجربة جديدة للحارثي، اعتمد فيها على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي عبارة عن مجموعة أفكار تطرح من خلال المواقع الاجتماعية، ومن خلال تفاعل المشاركين بالردود يُحاك النص، وكان لزاماً أن يواكب الإخراج هذه التجربة، فتم إخراج النص بطريقة موازية مع النص تتماهى معه، وتم الأخذ بالاعتبار أن العمل يُقدّم بصورة بصرية مكتملة من حيث الأداء والتشكيل الحركي والبصري والسينوجرافيا واستخدام المسرح الفقير، واستخدام الأشياء البسيطة، لتتحول إلى» أشياء مدهشة»، لافتاً إلى أن العمل المسرحي عمل تكاملي. وقال:» نحن نعمل في ورشة العمل المسرحي على تأسيس وُرش مسرحية لكتابة النص والإخراج كي تكتمل منظومة العمل المسرحي ويتحقق مبدأ الشراكة المسرحية لتحقيق النجاح المطلوب». وبخصوص مقولة المسرح التجريبي، أوضح الزهراني أنه» لا وجود لمسرح تجريبي، بل هناك تجريب في المسرح، أو في جزئية من المسرح تتمثل في الترميز»، مؤكداً أن سقف الحرية في المسرح السعودي جيّد ومرتفع، ولذا لا يحتاج إلى الإغراق في الرمزية، كون هذه العروض الرمزية تنال من قيمة العروض المسرحية وتحيطها بالجفاء الجماهيري، مشيراً إلى أن العمل المسرحي هو عمل فني إبداعي مثل اللوحة التشكيلية أو القصيدة بعد اكتمالها لا تصبح ملكك، إنما ملك المتلقي، فمن حق المتلقي أن يؤولّها كيفما شاء، وهذا يشعرنا بالفرح والسعادة، فهو هنا يفتح لك آفاقاً غائبة، أو يحفزك لتطوير فكرة ما، أو لتعديل مفردات العمل نحو الأفضل. وأرجع ما يتحقق من نجاحات ورشة الطائف إلى توليد وُرش فرعية في أماكن مختلفة، ومنها على سبيل المثال حسين الفيفي الذي كوّن مسرحاً في المجمعة، والمؤلف والمخرج إبراهيم الحارثي الذي يمارس المسرح بشكل لافت في ينبع، وكذلك عبدالعزيز الحارثي في جازان، والمسرحي صقر القرني في الدمام، مضيفاً: «نحن نتطلع إلى تصدير عناصر شابة تنطلق من ورشة العمل المسرحي لتتصدر المشهد المسرحي في المملكة قريباً، وهو ما يتم التجهيز له في الورشة الآن، من تكوين ثلاث مجموعات مختلفة، اثنتان منها شبابية متمثلة في عرْضَي الجثة صفر و حالة قلق». وعما ينقص ورشة الطائف، قال: «الإمكانات المادية والبُنى التحتية من إنشاء مسرح متكامل أو مركز ثقافي يحوى على مسرح لممارسة النشاط المسرحي ضعيفة، فلك أن تتخيل كل هذه الإنجازات والجوائز بمسرح متهالك عبارة عن (صندقة) وإمكانات مادية لا تُوازي ما نحقّق من إبداع وإنجاز».