إن التناغم وسمو الهدف والعمل بإخلاص والمشاركة كفيل بتحقيق التطلعات الحضارية؛ إنما لم يجد القرويون حال انتقالهم للمدن أرضية حضارية صلبة تساعدهم على النهوض؛ بل إن سطوة المدن سلبت ما تبقى للقروي من روح حضارته المتناغمة! فإن تكلم بلهجته رمقته الأعين استهجاناً؛ وإن لبس موروثه عُدَّ مهرجاً! بل إن المدن -بجفافها- ساهمت بعزل القرويين عن «الفن» الذي تستلهمه ثقافتهم الرحبة كأسلوب حياة؛ بتناسق الزي الفريد؛ بالفن المعماري الرائع ببساطته؛ بالاحتفالات التي لا تهدأ وبرقصاتها التي لا تغيب عن أي حدث كان؛ إن «الحضارة» تبنيها الشراكة فهل مدّ ابن المدينة يده للقادم من القرى؟ وماذا قدّم غير هشاشة المفهوم «المعلّب» للحضارة تعلقاً بقشورها؟ وغير نظرة الاستعلاء؟! ثم إن هجرة القرويين للمدن اضطراراً لها ما يبررها لتحسين أحد أهم الأسس الحضارية المتمثلة بالجانب الاقتصادي؛ ولو كان هناك بُعدٌ حضاري أكبر للقائمين على القرار -من المختصين من أبناء المدن- لوفّروا عليهم عناء الرحلة تخطيطاً ودعماً لانتشال القرى والأرياف من واقعها لضمان توفير الفرص لأبنائها وتثميناً للدور الوطني وتحفيزاً لهم للبقاء بأرضهم وحقولهم لئلا تضطرهم الظروف للرحيل صوب مدنٍ تضيق خدماتها عن الوفاء بسكّانها فما بالك بالقادمين؟! يعود آل الشيخ مبرراً تغريدته قائلاً: (أنا لا أحقد على الأرياف إنما أصف حالة وهذا معروف كنظرية في علم الاجتماع اسمها (تريف المدن)! وبظني فإن «حبيبنا» اعتمر «طربوش» الباحث «علي الوردي» رامياً بالنظرية على واقع مختلف كلياً؛ فالوردي خرج بنظريته مستنداً على بحث استقصائي طويل آخذاً في المجمل كافة الأسباب والظروف الاجتماعية -بكافة تفرعاتها- والسياسية العاصفة –بكافة صراعاتها- لمدينة كبغداد في منتصف القرن الماضي! فهل انطلق محمد آل الشيخ من نفس همّة ونظرة «الوردي» الثاقبة وإنصافه لمسؤوليته العلمية بطول الاستقراء ودقة البحث وصواب التحليل؟ أم اعتمر حبيبنا «آل الشيخ» «الطربوش» على «الشماغ» مكان «العقال» ومضى سادراً في «رؤيته» الحضارية الواهمة؟!