إن دخول (حزب الله) الحرب الدائرة في سوريا بين المناضلين السوريين الساعين للكرامة والحرية، نيابة عن الشعب السوري، وبين قوات النظام التي من المفترض أن تقف مع الشعب عندما يعبّر عن إرادته في حق تقرير مصيره، هذا الدخول أدخلنا في دائرة الحيرة حول مبادئ (حزب الله) التي يكررها أمينه العام (حسن نصرالله) في كل خطاب. وهي كما شهدنا لا تخرج عن نصرة المُستضعفين في الأرض، والدفاع عن الكرامة وحماية الأرض من الاعتداء الخارجي والوقوف مع شرفاء الحق والواجب ضد أي حالات قمع أو محاولة فرض الأمر الواقع. وهذا ما واجهه (حزب الله) في جنوب لبنان على مدى تاريخ العنف والعدوان الذي مارسته القوات الإسرائيلية من أعمال تتنافى مع القيم الإنسانية والمواثيق الدولية التي تحكم علاقات الدول. إن الشعب السوري يتعرَّض لحرب إبادة في ريف (دمشق)، كما أن عناصر (حزب الله) قامت باحتلال قرى سورية في ريف (حمص)، وهذا مخالف لأبسط قواعد الجوار والتاريخ المشترك بين الشعب السوري و(حزب الله)، حيث وقف الأول دائماً داعماً للثاني وقدَّم العون والمساعدة، خصوصاً في عام 2006 حيث العدوان الإسرائيلي على لبنان. هذا ما حدا بالمجلس الوطني السوري إلى إصدار بيان اتهم فيه (حزب الله) بالقيام بأعمال قتل المدنيين ومنعهم -بالإرهاب- من التعبير عن توقهم للحرية والكرامة الإنسانية. ودعا البيان الحكومة اللبنانية إلى أن تتعامل بالجدية اللازمة مع هذا الموضوع. وكان الائتلاف السوري قد طالب (حزب الله) بسحب قواته من الأراضي السورية على الفور محذراً من أن تدخلات (الحزب) سوف «تجرُّ المنطقة إلى صراع مفتوح على احتمالات كلها مدمِّرة». إن الشعب السوري يتعرَّض فعلاً لحرب إبادة بالطائرات والصواريخ والقوات النظامية المدجَّجة بأعنف الأسلحة – الحوار جارٍ حول مدى استخدام النظام للأسلحة الكيماوية ضمن قلق دولي من ذلك – كما أن آلة الحرب لا تفرق بين شيخ أو صبي أو امرأة أو فتاة، بل تواصلت أذرعها يوم الأحد قبل الماضي إلى قصف مصنع للسُّكَّر في (الرقة)، بالله عليكم كيف يتجرَّأ جيش يحمي الوطن ويقوم بقصف البنى التحتية لهذا الوطن مثلما قصف هذا المصنع الذي يستفيد منه المواطن السوري؟! وإذا كان (حزب الله) يناصر قوى العدوان لأن إيران تناصرها أيضاً، فإن العالم سوف يشهد قيام عناصر (الحزب) بالقتل العمد بحق إخوانهم السوريين العرب، حتى وإن كانوا سنّة. إن مبادئ (حزب الله) السبعة، فيها مبدأ الجهاد! حيث يقول نص المادة الرابعة من المبادئ: (نؤمن أن الجهاد في سبيل الله قوام حركتنا وأصل نشأتنا، وبه نقهر أعداءَنا، وقد فرضه الله علينا لنحيا به في الدنيا حياة كريمة وعزيزة، وفي الآخرة الدرجات الرفيعة مع الأنبياء والصديقين والأولياء. ونعتقد أن الآثار المترتبة على الجهاد عظيمة على مستوى الفرد وعلى مستوى الأمة، «فضَّل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً». «والذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أعظم درجة». فالفرد المجاهد عند الله أعظم درجة وأكثر فضلاً وأجراً. والأمة المجاهدة هي أمة مقتدرة ومُهابة ولها مكانتها بين الأمم. وخاصة أن مسيرتنا تواجه أعتى أعداء الأمة، أي الصهيونية العنصرية والاستكبار العالمي، وعلى رأسه الشيطان الأكبر. ونؤكد أن خيار الجهاد يواصل لانتزاع الحقوق واستردادها، وهو السبيل الطبيعي لمواجهة الظلم ومقارعة الظالمين وعدم الركون إليهم مهما كانت الظروف، لأننا نعتقد بوجوب إقامة العدل الإلهي وإحقاق الحق ونصرة المظلوم ومواجهة المستكبرين لاستنقاذ كل ما نهبوه من خيرات الأمة ومواردها وثرواتها، ونعتقد أن إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي عملية استنهاض للأمة وصونها من الانحراف وتحصينها في عملية المواجهة، وهي تجلب رضا الله وسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة). فهل ما يقوم به عناصر (حزب الله) في القرى السورية جهادٌ في سبيل الله؟ وهل فرض الله الجهاد ضد المسلمين والأشقاء المطالبين بالكرامة الإنسانية وحق تقرير المصير؟ وكيف يخالف (حزب الله) هذه المادة بنكران حق السوريين في (انتزاع حقوقهم واستردادها وهو السبيل الطبيعي لمواجهة الظلم ومقارعة الظالمين) ومن هم الظالمون في المعادلة السورية؟! أما المادة السادسة التي تتحدث عن وحدة الأمة ورفض التجزئة، والسعي نحو وحدة المسلمين، فتقول: (إن وحدة الأمة هي من المفاهيم الثابتة في حركتنا، وعلى هذا الأساس فالتجزئة التي يقوم بفرضها الاستعمار على العالم الإسلامي والعربي في فترة ضعف الأمة أمام أعدائها مرفوضة بالكامل. لأن الكيانات التي كرَّسها الاستعمار تسهّل مهمة السيطرة السياسية والاقتصادية والثقافية. وعلى هذا الأساس يجب العمل في اتجاه توحيد هذه الأمة، «إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون». ولا سبيل لذلك إلا بوحدة المسلمين، والاستفادة من جميع ثروات وخبرات العالم الإسلامي، ولا يتم ذلك إلا بالتعاون فيما بينهم ونبذ الخلافات ووأد الفتن ونبذ الصراعات التي تعيق تقدم وتطور الأمة على أساس التكامل فيما بينهم، وتحديد الأولويات والقواسم المشتركة مورد الالتقاء لتحقيق الرقي والتقدم وأخذ الموقع الريادي بين سائر الأمم وتشكيل أحد الأقطاب الأساسية للعالم الجديد). وهذه يناقضها تدخّل (حزب الله) في الصراع في سوريا. مهما كانت الذرائع، مثل حماية القرى الشيعية. والواقع أن عناصر (الحزب) قد دخلت قرى سُنية ورفعت عليها أعلام (الحزب) في تحدٍ صارخ للسيادة السورية!؟ وأين وحدة المسلمين إذا كان (الحزب) يقف مع نظام لا يريده الشعب السوري، والشعب السوري أدرى بمصلحته وأعلم بواقعه! إن (حزب الله) قد دخل مستنقعاً مجهولاً قد يصعب عليه التراجع عنه! كما أن المرارة التي يعانيها الشعب السوري من هذا الموقف سوف تترتب عليها إجراءات جديدة قد تختلف عما سبق، بعد أن تتحقق الكرامة والحرية للشعب السوري.