استضافت بيروت أمس مؤتمراً دولياً عربياً لدعم المقاومة، وجهت في افتتاحه رسائل سياسية أبرزها لرئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشغل الذي دعا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى لقاء ثنائي لإنجاز المصالحة. وعرض الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله في كلمة متلفزة، لانجازات المقاومة «ما جعل اسرائيل تعيش اليوم في مأزق حقيقي». ورأى أنها تحاول اليوم الترميم عبر صليل السلاح وتهديدات بالحرب على غزة ولبنان وسورية وإيران، وهذه لم تعدْ تخيف إلّا الجبناء والمهزومين أما الذين عرفوا الجهاد فهم مشتاقون للمواجهة ليصنعوا نصراً جديداً»، معتبراً «أنها تستعين على المقاومة وشعوبها، بالمجتمع الدولي والمؤسسات الدولية وبعض الأنظمة العربية والاستخبارات العربية وإقامة الجدران الفولاذية... وهي للمرة الأولى تحسب للمواجهة العسكرية كل حساب وتبحث عن ضمانات النصر في أي حرب مقبلة». وتوقف عند المشروع الأميركي في المنطقة الذي كان «المطلوب تحقيقه عبر تصفية حركات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان وتجفيف كل منابع الدعم والمساعدة لهذه الحركات في العالم وكان عنوان هذا المشروع: الشرق الأوسط الجديد الذي تحدثت عن مخاض ولادته (وزيرة الخارجية الأميركية السابقة) كوندوليزا رايس، لكن صمود المقاومة وحكومات الممانعة أسقطت هذا المشروع». وشدد على أن «خيار المقاومة هو خيار حقيقي وواقعي ومنطقي ومنتصر، وله آفاق كبيرة وآمال عظيمة وليس مجرد انفعال عابر او نزوة غضب ثائرة»، موضحاً ان «هذا المشروع في حاجة الى كل أشكال الدعم والمساندة والاحتضان المالي والقانوني والسياسي وخصوصاً في مواجهة الحرب النفسية». وأكد نصرالله أن «هذه الحرب (النفسية) لن تهزمنا وسنواجهها وأعدكم أمام كل التهويلات والتهديدات التي تسمعونها يومياً للبنان، كما كنت أعدكم دائماً، في اي مواجهة مقبلة مع الصهاينة سنفشل أهداف العدوان وسنهزم العدو وسنصنع النصر التاريخي الكبير وسنغير وجه المنطقة. المستقبل في هذه المنطقة هو مستقبل المقاومة والعزة والكرامة والحرية واسرائيل والاحتلال والهيمنة والاستكبار الى زوال». مشعل ورأى رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل ان «المقاومة الفلسطينية ومشروعيتها وانتصارها في غزة أصبحت أنموذجاً لصناعة المستحيل». ورد أيضاً على التهديدات الإسرائيلية خصوصاً «أنهم ينظرون الى غزة باعتبارها الحلقة الأضعف والخيار الأسهل لحروب اسرائيل المقبلة عام 2010، بالقول:«نحذر قادة العدو ونقول لهم: لم نخترْ الحرب الماضية ولن نختار الحرب اليوم فإسرائيل وحدها تشن الحروب والجرائم، لكن إذا فرضت علينا الحرب سنختار خياراً وحيداً هو الصمود والقتال بلا هوادة، لا شيء سيهزم غزة لا الحرب ولا الحصار ولا بناء الجدار». وتطرّق مشعل إلى الجدار الفولاذي الذي تبنيه مصر على حدودها مع غزة، قائلاً: «لا يمكن ان يكون الأمن القومي لأي بلد عربي سبباً لجدار مع أي شقيق عربي، فكيف بحال مصر مع غزة، ألم تعد غزة جزءاً من الأمن القومي فما بالها تقف خلف الجدار؟». واعتبر أن «الأمن القومي يقتضي إجراءات ضد إسرائيل العدو الحقيقي ونربأ بمصر والعرب ان يسكتوا عن حصار غزة وتجميد إعمارها فضلاً عن توفير الأموال، وخنق غزة، نربأ بمصر والعرب عن هذا التجييش الذي يجب ان يكون فقط بالاتجاه الصحيح ضد اسرائيل وأعداء مصر والمسلمين فالدم المصري كالدم العربي غالٍ علينا ونأسف لسقوط اي ضحية بصرف النظر عن حقيقة الرواية وحكومة غزة قالت الرواية الحقيقية، كما نأسف لضحايا غزة جراء الحصار وإغلاق المعابر. مئات ماتوا لعدم تمكنهم من تلقي العلاج». وأكد مشعل أن «مصر ستبقى الشقيقة الكبرى التي نحبها ونقدر تضحياتها والشعب المصري سيبقى في نظرنا الشعب الأصيل النابض بالعروبة والإسلام والمتفاعل مع قضايا الأمة، مصر والعرب والمسلمون وأحرار العالم هم عمقنا وسندنا الحقيقي»، مشدداً على أن «غزةوفلسطين ما كانت يوماً مصدر خطر على مصر او اي بلد عربي بل كانت وستبقى خط الدفاع الصلب عن أمتها وأمنها القومي في مواجهة اسرائيل ومشاريعها». وخاطب مشعل قادة مصر والعرب والمسلمين قائلاً: «لو لم تكن في فلسطين مقاومة لوجب عليكم أن توجدوا مقاومة من اجل أمنكم»، موضحاً أنه قال للزعماء العرب في جولته الأخيرة عليهم: «بدل أن تروا في «حماس» والمقاومة الفلسطينية عبئاً عليكم أمام الأميركيين والعالم تعاملوا معها كقوة لكم، خوفوا اسرائيل واضغطوا عليها بها. خوفوها ب «حزب الله» والمقاومة العراقية والأفغانية، لماذا لا تستثمرون ذلك؟». وتابع: «إذا كان قلقكم ان يضيع السلام فقد ضاع لأن اسرائيل أضاعته والعجز الدولي، ومع ذلك قولوا للعالم، إن المقاومة الفلسطينية جزء من مكوننا نحن العرب ونحن قادرون على التفاهم معها في أي جهد حقيقي من أجل سلام عادل في المنطقة. نقبل بذلك».وتطرق إلى مسألة المصالحة الفلسطينية والوحدة، معتبراً «أنها ضرورية وحتمية». وأوضح «أنها توقفت حين قلنا للأشقاء في مصر نريد الورقة الختامية التي اتفقنا مع «فتح» والفصائل عليها لتدقيقها مع المسودات؟ أين الجرم في ذلك؟ عندما نتفق، على سبيل المثال، على نص يقول في لجنة الانتخابات إنها تشكل بالتوافق بين الفصائل وعلى أساس ذلك يصدر رئيس السلطة مرسوماً بتشكيل اللجنة، ثم تأتي النسخة المصرية لتقول: يصدر رئيس السلطة مرسوماً بتشكيل لجنة الانتخابات بعد التشاور والتنسيب، أي غير الملزم. نريد تدقيق الورقة النهائية مع المسودات، نريد رعاية للمصالحة كما جرى في اتفاق القاهرة عام 2005، وكما جرى في اتفاق مكة 2007، وكما جرى في المصالحة اللبنانية في الدوحة وكما جرى في الطائف. لا نطلب المستحيل، لم يبق أمام المصالحة إلا خطوة. مصر ومعها العرب يحتضنون المتصالحين. والله لو بادرت مصر إن شاءت ومعها دول عربية إن شاءت، وجمعتنا لأنهينا المصالحة وأبرمناها في ساعات. أنا أضع المسؤولية في أعناق قادة الأمة». وتابع: «على رغم الخلاف السياسي، أمسح الماضي كله، وأدعو الأخ أبو مازن الى لقاء ثنائي يبدأ به ثم مع الفصائل، وأنا واثق أننا حين نلتقي سنتفق ونعالج هذه الفروق البسيطة، ثم نذهب الى القاهرة مع حضور عربي ليباركوا وحدتنا واتفاقنا... الكرة في مرمانا وأنا أرحب باللقاء ولا أرفضه وأرحب به في أي مكان وزمان وبأي دور عربي مع مصر وليس بديلاً عنها». ودعا مشعل العرب في شأن المفاوضات إلى «عدم تسهيل الأمر على الإسرائيليين وعدم إعفاء الأميركيين من الفعل الحقيقي عبر استئناف مفاوضات شكلية. اتقوا الله في فلسطين. وندعو الأخ أبو مازن إلى عدم الذهاب الى مفاوضات كهذه والى أن يتمسك بمطالبه، وندعو إلى مراجعة سياسية لترتيب أوراقنا لنفرض إرادتنا على عدونا». وزاد: «اجعلوا أميركا تهتم بنا، فهي شغلت عنا لأننا لا نؤثر عليها. إذا كان النموذج الإيراني يا قادة الأمة لا يعجبكم على رغم ان ايران تصارع الغرب من اجل حقها في الطاقة وتزعجه باحتضانها المقاومة، واذا لم يعجبكم النموذج السوري الذي لم يفرط بالمقاومة على رغم الضغوط، أفلا يعجبكم النموذج المعتدل في تركيا الذي للمرة الأولى يجبر اسرائيل على ان تعتذر ثم يقول لهم اردوغان لن نغير سياستنا، عليكم يا اسرائيل أن تصلحوا أنفسكم، أين الزعيم العربي الذي يقول هذا؟ العجز لا يصنع السلام بل تصنعه القوة والإرادة». وألقى رئيس تجمع العلماء المسلمين في العراق حارث الضاري كلمة المقاومة العراقية، متحدثاً بإسهاب عن منجزاتها وأبزرها «أنها جعلت الاحتلال الاميركي يغير استراتيجيته التي كانت تهدف بعد السيطرة على العراق، الى التوسع الى بعض الدول المجاورة». وأكد ان «المقاومة لم تفقد بوصلة مسيرتها ولم تنجر الى اي صراع آخر على رغم كل المحاولات لجرها الى صراعات افتعلها الاحتلال وحلفاؤه لإشغالها عن هدفها»، مشدداً على أن «هويتها عراقية المنشأ والأهداف ولا تطلعات لها خارج حدود العراق وهي لكل العراقيين وليست لفئة دون أخرى او لطائفة دون أخرى». ورأى أن «على كل عراقي عدم التعويل على العميلة السياسة بعد ان أثبتت فشلها وتسببها بكل المصائب وان يعول على المقاومة فهي المشروع الوحيد والصحيح لتحرير العراق والخلاص من نير الاحتلال». كلمة نجاد وألقى كلمة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد نائبه محمد رضا مير تاج الدين، وأثنى فيها على منجزات المقاومة في لبنان وفلسطين معتبراً «أن هذه المقاومة أيقظت العالم الإسلامي وشكلت تباشير النصر الكبير في المستقبل القريب». وأضاف: «انتصارات المقاومة في تموز وغزة أفهمت الصهاينة أنهم عاجزون عن الوقوف في وجهة إرادة الشعوب الحرة»، معتبراً ان «الهزيمة الكبرى للصهاينة في تموز 2006 ومقاومة أهالي غزة خلال العدوان غيرت كل المعادلات، وهذا الكيان يعيش مرحلة الهزيمة والانهيار، ومن خلال استمرار المقاومة ودعم كل الشعوب الإسلامية والعربية والحرة في العالم لها في مواجهة المحتلين يحذونا الأمل بأن نشهد في المستقبل انتصارات أكبر وأن تتذوق الشعوب قريباً طعم الحرية». وأكد أن ايران «تدعم دوماً كل المطالب المحقة للشعوب المظلومة وبخاصة الشعبين اللبناني والفلسطيني وستستمر بدعمها هذا حتى تحقيق النصر النهائي». وألقت كلمة سورية عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي شهناز فاكوش، وأكدت فيها أن «السلام لا يمكن ان يتحقق في المنطقة الا بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية المحتلة وعودة الجولان». جولة لمشعل على الرؤساء وكان مشعل زار على رأس وفد من «حماس» الرئيس اللبناني ميشال سليمان وأطلعه على الأوضاع الراهنة على الساحة الفلسطينية ونتيجة الجولة العربية التي قام بها. وسمع من سليمان «تشديداً على أهمية التضحية من أجل إتمام المصالحة لما لها من انعكاس إيجابي على عملية السلام وعلى الوضع العربي ككل». ثم زار مشعل والوفد رئيس الحكومة سعد الحريري وأكد في تصريح بعد اللقاء «متابعة التنسيق مع الدولة اللبنانية للوصول الى تفاهمات تخدم الجميع ضمن سلطة الدولة وقانونها وضمن ما يخدم الوجود الفلسطيني الذي هو ضيف على هذا البلد». وعن موضوع السلاح داخل المخيمات وخارجها، لفت مشعل الى انه «تم التطرق الى الحقوق المدنية للفلسطينيين في لبنان، والى ضرورة التفاهم حول كل هذه المواضيع وكيف تتعامل الدولة مع الشأن الفلسطيني ومع المرجعيات الفلسطينية بمختلف قواها. وبحثت هذه المسائل بكل شفافية وروح عالية، واتفقنا على متابعة الأمر ضمن الآليات المحددة». وعن موقف «حماس» من انتشار السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، اعتبر أن «هذا الموضوع يحتاج الى بحث، لكن في شكل عام أن المبادئ عندنا لا شيء فوق سلطة الدولة والقانون، والسلاح الفلسطيني داخل المخيمات أو خارجها لم يأت ضمن معادلة لبنانية داخلية، انما أتى بخلفية تاريخية تتعلق بالثورة الفلسطينية، وبهواجس الفلسطينيين من الاعتداءات الإسرائيلية كما جرى في صبرا وشاتيلا، وبالتالي ضمن هذه المحددات يمكن تسوية هذه المواضيع بما يلبي مصالح الجميع». وعن مسار المصالحة الفلسطينية، تحدث عن «نصيحة الرئيس الحريري في اتجاه الإسراع في المصالحة، وشرحنا له إننا قطعنا شوطاً كبيراً، ولم يبق إلا اللمسة الأخيرة».