أسقِط جرثومتين على سطحِ تُفاحةٍ، وانظر بعد فترةٍ، لترى كيف تكاثرت الجراثيم واحتلَّت مُعظم القشرة، وكيف شيَّدت فوقها مُدُناً من العفنِ. سامحوني، فكلما سمعتُ أخباراً من ذلك النوعِ، تفجرت أفكاري، واحترقتْ شهباً وسط الفجوة بين ثقافات العلومِ وثقافات الظنونِ. وسأحكي لكم الحكاية العجيبة، لأستحثَّ بعضكم لمنافستي في شراءِ سوطٍ عثمانيٍّ مجدول!. فقد بدأت منظمة «مارس1» الهولندية الترتيب لمشروعِها العملاقِ، غير الربحي، الذي تأمل من خلالِه أن تتمكن من نقلِ الحياةِ الأرضية إلى الكوكبِ الأحْمَر!. فأعلنت عن «رحلة للمرِّيخِ، وبلا عودةٍ إلى الأرضِ»، وطلبت متطوعين من الجنسين، فكان أن وصلتها خِلال أيامٍ قليلة استفسارات من 10 آلاف شخص موزعين على أكثر من مائةِ دولة!. وقد أوضحت المنظمة للمتطوعين أنها ستجرى لهم شتى أنواع الاختبارات البدنية، والنفسية، والتحمل، والبقاء، والابتكار، كما أن جميع هذه الأحداث ستُعرض مباشرة مثلها مثل برامج الواقع، مما يؤكد على أن الشركاتِ والمؤسساتِ التجارية العالمية ستتسابق للإعلانِ، والرعاية لهذا المشروع، مما سيحقق للمهمةِ التمويل المتوقع بحوالي 6 مليارات دولار. ومن المقررِ انطلاق أولى الرحلات في سنة 2023م، وأن يتبعها إرسال بعثة كل سنتين. واشترطت في المتطوعين ألا تتجاوز أعمارهم الأربعين عاماً، وأن يتمتعوا بحالة بدنيةٍ وذهنية ونفسيةٍ ممتازة، وأن يخضعوا لتدريب سبع سنوات، استعداداً لرحلةِ الذهاب، التي ستستغرق «سبعة أشهر» للوصول إلى سطحِ الكوكبِ الأحمرِ، وسيكون على متنِ كل رحلةٍ ذكران وأنثيان. ومن المقررِ أن يعيش «المَرِّيخيون» في بيئةٍ صناعيةٍ صغيرةٍ جداً، محفوفة بالمخاطرِ. وسيتم تزويد المغامرين ببطارياتٍ شمسية لتكوين الطاقة اللازمة لمقاومةِ الصقيع، أما الماء فستتم معالجته واستخدامه أكثر من مرةٍ، وسيتعين عليهم زراعة نباتات وفطريات ليقتاتوا عليها، أما الأكسجين فقد يعملون على تصنيعه!. تجربة ربما تنتهي بمأساة، ولكنها وبرغم ذلك وجدت كثيراً ممن يرغبون في سبرِ مجاهِلها. بعضهم يحلُم بأن يكون «كولمبوس المرِّيخ»، وأن يرتبط اسمه مع استيطان البشرية هذا الكوكب، وبعضهم ربما يكون في حالةِ خبلٍ أو كآبة، ولكن التدريب المُركز، والاختبارات النفسية والطبية الدقيقة، قادرة على انتقاء الأفضل، والأكثر مُواءَمَة لمثل هذه المهمة. اُدعوا لي أن أعيش لأشاهد نتائج هذه المخاطرة، وكم كنت أتمنى أن يكون عمري وصحتي عندها في حالة مقبولة، حينئذٍ لما ترددت ولو للحظةٍ، في مصاحبتهم، والسكنى فوق «مارس». لقد هيأ الله البشر للعمارِ والبناءِ، والبحث عن الحلولِ، والبدائل، وقد يقول بعضنا إن في ذلك إلقاءً بالنفس إلى التهلكة، وهذا ما تنفيه نوعية الدراسات العلمية، والاختبارات، والاستعدادات، التي تعتزم هذه المنظمة القيام بها، مستعينة بكل ما توصلت إليه البشرية من علوم ومعارف فضائية، ومن خلال وكالة الفضاء «ناسا»، التي سبق أن أرسلت عدة «مسابير» كان آخرها يحمل عربتها «كيريوسيتي»، التي درست الأوضاع هناك بكل دقائقها، مما ينفي رعونة المشروع، أو خياليته.