غريب هو أم كان يبحث عما يؤكد عدم غربته، في “أدر مهجة الصبح”، وأن يكون وطنه في كؤوس “تدير الرؤوس”، يخلق الشاعر الراحل محمد الثبيتي حالة من التيه، من البحث عن وطن يجلله صباحا بغيمه ومساء بلحاف لا سراب فيه. تنفلت الغربة من قصائده، وتضع القارئ على مفترق طرق، لا هو يستطيع الجزم بالانتماء أو غير الانتماء، وما له غير أن يردد مع الثبيتي “وقلب مواجعنا فوق جمر الغضا.. ثم هات الربابة/ هات الربابة”. يعتب على قومه الذين لم يوقدوا نارهم تحت نافذته، في قصيدة الأعراب، ورغم عتبه إلا أنهم اسرجوا خيلهم واستراحوا. ويبقى النص غير صادم، حتى تنتصب قامة التعب حين يكون في “غرفة باردة”، لا باب لها، وحاقدة، وصمت، ولا نوافذ، ولا سرير ولا أشياء تدل على الحياة، ظلمة يلفها ظلام، الثبيتي حين يؤجج نار الحقيقة، نكتشف معه أن “معن بن زائدة”، رجل لا مكان له وهو زائد لا داعي لوجوده. لن يقلل من أهمية الوجع، الباحث عن ظل يحميه أشعة شمس “البيداء” الغزل، حتى في غزله يبكى، “لي ولك”، و”سادران على الرمس نبكي”، وأخيرا “نندب شمسا تهاوت/ وبدرا هلك”، وفي “الأوقات” يقف تعبا، ولكنه في منتصف مدينة شارعها “قفر ونافذة تطل على السماء”، ووقفه “خائفا”، والمرارة تنبع من “وأفقت من وطني فكانت حمرة الأوقات مسدلة/ وكان الحزن متسعا”، للبكاء فقط، حتى لو كان غناء فهو نشيد ينوح على ذاته. وهل يمكن توجيه نصح إلى القارئ، بألا يقرأ محمد الثبيتي، وإذا أصر على قراءته ألا يمر على قصيدة “الظمأ”، وألا يتأمل كثيراً في “اخْتَرْ هَواكَ على هواكَ عَسَاكَ/ أَنْ تلقَى هُنَاكَ إلَى الطريقِ طرِيقا”، وحده يشعر، وحده الثبيتي يشعر أن “ما أحلى الصباح رفيقا”، يضع قبسا من نور يجسده في تساؤل شاك : مَتَى كانت ليالي المُدلِجينَ خَلِيلةً/ ومَتى/ متى كانَ الظَّلامُ صديقا”. الشاعر التائه لا يكترث بالجوائز، نال الثبيتي الذي ولد في 1952م وختم حياته في 2011م، جائزة “شاعر عكاظ”، ويعلن في حديث عابر “لست كما يعرف المقربون مغرماً بالجوائز، ولم أبحث عنها، ولا أشغل نفسي بها، فمهمتي الأولى تقديم نص جيد، احتراماً لذائقة المتلقي”. أصدر أربعة دواوين، تحمل في طياتها أحمالا أكثر من طاقتها، عناوين تئن مما بين دفتيها، “تهيجت حلما تهيجت وهما” و”بوابة الريح”، و”التضاريس”، و”موقف الرمال”، و”عاشقة الزمن الوردي”. حلمه الذي نطق به ذات لقاء صحافي “حلمي الذي لم يفارقني ولن يبرحني “كتابة قصيدة صادقة”. ويظل رأيه في القصيدة “أنها استشراف للمستقبل وقراءة للواقع”، وهي لديه “مزيج من الدهشة والتأمل”، فيما هي للقارئ تيه يبحث عن مستقر.