نشرة الأخبار الدموية لا تحتاج مذيعة حسناء وصوتاً رقيقاً لوصف لعلعة مدفع هاون، أو عبث طائرة تُحلق فوق مدينة مكتظة بالأطفال والعصافير. هذه تفاصيل مدمِّرة لا يحتمل أن يقدمها وجه جميل، وصوت أنثوي رخو، كما تفعل الفضائيات الإخبارية هذه الأيام. كل أنثى في هذا العالم لا تستطيع أن تصف -بصوتها وجه طفل مرعوب في مواجهة شيطان/ قاتل نظامي؛ هي تستطيع احتضانه وإغراقه بالدمع، وثمة فرق بين الوصف والاحتضان الحزين، ولذلك تبقى أخبارنا غير معبرة، ولا ناقلة حقيقية لكامل المأساة. جُل أخبارنا العربية هي عبارة عن جثث ورصاص وبغي آدمي، واختصاراً فواجع خراب جماعي بكل المقاييس؛ أفلا نحتاج مع وضع كهذا إلى أصوات خشنة كي يكتمل مشهد الفناء؟ لماذا هذه المسحة الأنثوية في حمام دم؟ وما فائدة الوجه الحسن حينما يقرأ لك الخبر -أصلاً من مستنقع؟ المذيعة تستطيع إيصال زغرودة فرح، وبإمكانها التعبير الصادق عن أحوال مدينة تستحم بالمطر والحلوى ولعب الأطفال؛ أما الرصاص وبغاء الشبيحة، وتجليات الحزب المقاوم؛ فلا أقل من أصوات جشة لوصفها كما هي كي نقترب من الحقيقة أكثر. الشاشة العربية تسيل دماً من جهاتها الأربع، ومن يقدم لك وجبة دم يجب أن يكون شديد البأس، وقوي الصوت، وصاحب وجه معبر يتقلص مع كل رصاصة تخترق جمجمة، ومَن غير العم جميل عازر يمتلك هذه القدرة على تقمُّص الفجيعة؟! إنه صوت المرحلة بامتياز. أعطوا المذيعات الجميلات إجازة؛ ريثما تقل الفواجع، وأقول تقل لأنها لن تنتهي طالما أن حيوانات الغابة صارت تحكم الشعوب منذ أربعين سنة، وأفسحوا المجال لجميل عازر وأقرانه فهم الأقدر على قراءة أخبار مرحلة الندامة التي نمرُّ بها!!