سأستعرض اليوم مواصلة مسلسل التفاهات المجتمعية التي لاتزال ورماً مزمناً في جسد المجتمع.. بعض الموسرين والمحسنين لدينا بدلاً من أن تنفق يُمناه ما لا تعلم يساره يجير جيشاً من المصورين لملاحقته وهو يمدّ المال ويوزع الغذاء. سؤال تافه ومريب وغريب لا يقل عندنا أهمية عن الاسم، وهو: كم راتبك؟ هذا السؤال العجيب الذي ظل متلازماً لأفواه الفضوليين، حتى أن بعضهم يجهز فريق بحث وتحرٍّ للظفر بمقدار هذا الراتب الذي تقسمه ويلات الحسد المنطلقة من عقول فارغة وأفواه فاغرة وقلوب صاغرة. يلاحق بعض التافهين لدينا الأخبار السارَّة للآخرين كعناوين ثم يصفح عنها.. ثم إذا أوردت إليه خبراً سيئاً فإنه لابد أن يغرقك بأسئلة تفصيلية ومعلومات مفصلة لأن الشيطان يكمن في التفاصيل. الجهل بالأنظمة لدينا تفاهة مزمنة غارقة في البؤس والسوداوية، ولا تفاهة أعظم من تجاهل النظام الحكومي المؤسس منذ عقود، والأتفه منه أن بعضهم يتجاهل الأنظمة ويفخر بذلك، هؤلاء التافهون يحابون التقدم ويمنعون انعكاس النظام على الحياة والسلوك. قضايا قتل تحدث على أتفه الأسباب.. كلمة أو سلوك في الشارع أو سوء ظن قد يُفضي إلى قتل نفس وإزهاق روح.. ثم ننتقل بعدها إلى تفاهة أخرى لا تقل عن سابقتها، جيوش من القبائل وسيارات وبعارين وملايين الريالات وهجرة قبائل من موطنها من أجل «الإعتاق»، حتى باتت إحدى الموضات التافهة للرقص بين حدِّ الذنب والمغفرة. قضايا الطلاق والعنوسة والعضل والعنف والبطالة والحوادث المرورية والقضايا الجنائية والقذف وغيرها.. من غير المجدي أن تدرس وتعقد لها الاجتماعات ثم نتفاجأ بأن الحلول غائبة، وأن الظواهر في ازدياد، والسبب أننا لابد أن ننمِّي محاربة التفاهة أولاً وأسبابها لاجتثاثها من العقول الرجعية والمضروبة، ثم نبدأ بعدها في الدراسات والتوصيات، لأن التفاهة أسوأ وأعظم خطراً من الحماقة.