في بعض أجزاء من عالمنا العربي، تنشط المطاردة بين الكاتب والحرية، فالكاتب عاشق للحرية يجري وراءها، يتوق إليها، يحلم بلقاء يجمعه بها، يتيح له أن يطعمها حروفه وأن ينقش على ردائها كلماته وأن يسبح معها داخل محبرته، لكن الحرية تفر بعيدا عنه، كلما دنا منها نأت. في بعض مناطقنا العربية، لا لقاء للكاتب مع الحرية إلا إن ارتدى التفاهة قلمه، لذلك أيها الكاتب العاشق، إن كنت حقا تتوق إلى الحرية عليك بالتفاهة، فالتفاهة هي السمة الوحيدة التي تضمن لك أن تتقلب في نعيم من الحرية المطلقة، حيث لا رقيب ولا حسيب، قل ما تشاء شرط أن يكون تافها، فالتفاهة هي الموضوع الوحيد الذي لا يحتاج إلى رقابة، تحدث عن أخبار الخلاف بين المطربين، انتقد الممثلة التي زاد وزنها، اثن على المذيعة التي تسحرك ابتسامتها، اشتم الكاتب الذي انتقدك، استعرض تفاصيل رحلتك الأخيرة إلى لاس فيجاس، تحدث عن جلوسك على قهوة في الشانزليزيه متغزلا بما يمر أمامك من أجساد عارية، أشكر صديقك الذي احتفل بعودتك فدعاك على صينية من السليق الفاخر، قل ما تشاء طالما أنك لم تخرج عن نطاق التفاهة. لاتحاول أن تكون عميقا، ولا تطمح إلى الجد أبدا، متى دخلت في الجد، فرضت على نفسك الحصار، وباعدت بينك وبين معشوقتك الحرية، فهناك كراهية مستحكمة بين الحرية والجد ولهذا هما لايلتقيان. أما لم تتمتع التفاهة بالحرية دون غيرها؟ فلا تستغرب، التفاهة في ظن البعض لا تضر أحدا، هكذا الظن!!، ثم إن التفاهة تسلي، تلهي القلب عن معاقرة أوجاعه، وفوق ذلك هي طريق آمنة، لم يسبق أن حدثت فوقها حادثة انقلاب أو صدام تسببت في موت أحد أو شل حركته. وهذا السير الآمن في أرض التفاهة يشجع على التكاثر والتناسل بين التفاهات، فتلد التفاهة تفاهة مثلها، وحين تكثر أمة التفاهة تنشئ عالمها الحر الخاص بها، تتجول في أطرافه بحرية لا ينغصها قيد ولا تحدها رقابة. قد يصيبك الاشمئزاز من أمة لا تعرف سوى الحديث عما فوق السطح، ولا تتقن سوى الهذر الأعمى الغافل عما ينتصب في عالمها من الآلام والمشكلات، فلا تبتئس، بإمكانك أن تهرب من اشمئزازك فتلقي بنفسك على فراشك لتلتقي بالراحة في عالم حر آخر، عالم الأحلام، فهذان العالمان عالم التفاهة وعالم الأحلام، هما وحدهما موئل الحرية ومقرها ومستودعها. فاكس: 4555382 1 للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة