الأسرة نواة المجتمع وخط دفاعه الأول وملاذ الفرد الأخير الذي يلجأ إليه. ولا يمكن لأي مؤسسة اجتماعية مهما كانت أن تحل محل الأسرة التي يتراجع دورها التربوي باستمرار في القيام بعملية الضبط الاجتماعي للأفراد الذي بغيابه ظهرت جرائم وسلوكيات غريبة لم توجد من قبل. ولا يستطيع أحدنا إنكار مظاهر تراجع دور الأسرة وهو يرى تراجع دور الأب والأم على حساب الخدم والأقران، وبرود العلاقة بين الزوجين (طلاق غير معلن) واختلاف رؤاهما وأولوياتهما، وغياب الأبناء عن البيت معظم الأوقات (لا يعرفون البيت إلا عند الحاجة للمال أو النوم وتغيير الملابس). ومن الملاحظ تزايد المشكلات الأسرية مثل العقوق والطلاق والعضل والعنف وانتشار الخمور والمخدرات بين الأبناء، ازدياد عدد المقيمين في دور العجزة لكبار السن ودار الملاحظة للمراهقين، وجود الرجال خارج البيت ومكوثهم في المقاهي والاستراحات أكثر من جلوسهم في المنزل، تخلي الزوج عن دوره في القوامة بل وسحب البساط من تحته نهائياً حتى صار «في الليل غفير وفي النهار أجير» كما يقول المثل المصري، الدوران حول النموذج المادي وتقديس الجسد وتزايد النزعة الاستهلاكية لدى أفراد الأسرة والشراهة في الشراء للكماليات حتى صارت مقياساً للتنافس بين الأسر على حساب القيم، الوقوع فريسة لأدوات التشتيت الذهني ووسائل الاتصال الإعلامية الحديثة مثل الفضائيات والإنترنت والجوال والبلايستيشن. هذا جزء يسير من مظاهر تدهور الأسرة الحديثة؛ حيث أصبح إعادة هذا الدور مطلباً مهماً لكنه صعب المنال؛ لأنه يحتاج إلى صبر وجهاد طويل على مستويات عدة. أهمها الاهتمام بالدراسات الأسرية في الجامعات خاصة تخصصات التربية والنفس والاجتماع، وعدم تهميش الدين في الأسرة وجعله شأنا خاصاً؛ لأن المنظومة الإسلامية في الأسرة أساسها العدل والمحبة والرحمة والعطف والتفاهم والطاعة وتحمل المسؤولية. ومن يتأمل الآيات الواردة في القرآن الكريم المتعلقة بالأسرة يجد أنها تقترن بعبارة «حدود الله» التي يؤدي عدم مراعاتها إلى الإثم العظيم في الآخرة إضافة إلى تداعياتها وآثارها السلبية في الأسرة في الحياة الدنيا.