أحياناً أفاجأ بسؤال ممن يثقون بذائقتي – كما يقولون- عندما يطلبون مني أن أقترح لهم عناوين كُتب ليقرؤوها، هذه الثقة تولدت لديهم من كثرت دعوتي للكل للقراءة، بمناسبة ودون مناسبة، لهذا أفرح وأحزن معاً عندما يطلب مني أحدهم هذا الطلب، أفرح لأنني وجدت من هو مهيأ ليكون قارئاً جيداً، وأشعر بالحزن لأنني لا أستطيع أن أُلبي طلبه مباشرة، أنا قد أقترح عنواناً معيناً لصديق أعرف توجهاته واهتماماته وأعرف أن الكتاب سيروق له ويضيف، لكن من غير المنطقي أن أنصح بنفس الكتاب لمن للتو يسأل: أريد أن أقرأ فماذا تنصحني؟ عادة أجيب لمن يسألني: اقرأ أي شيء وكل شيء، هذه الإجابة وإن كانت توحي بعدم الجديّة، لكنني أقولها بكامل جدّيتي وحماسي، ففي البداية لابد أن تألف الكتاب، وأن تُزيل أكثر من شعور سيراودك أثناء القراءة، كأن تشعر بأنك تقرأ ولا تستوعب أو تفهم ما يتحدث عنه الكاتب، أو أن (جوّ) القراءة مُتعب وأقل متعة مما توقعت، كل هذا شعور طبيعي، لهذا ينصح كثير ممن يمارسون «التوجيه» للقارئ بأن يبدأ بقراءة القصص أو الروايات حتى يعتاد على القراءة، وإن كنتُ لا أميل لهذا «الاعتقاد «، إذ يبدو لي أن أصحاب هذه النصيحة هم الأدباء الذين يعتقدون أن السرد ممتع للجميع، وهذا تعميم غير مُنصف، فكثير من الناس بدأ رحلة القراءة أثناء بحثه عن الغرائب أو الطرائف، وفئة يستهويها البحث عن عادات الشعوب وطريقة حياتها وطقوسها، وآخرون ورطّهم بالقراءة الفارهة نزار قبّاني حتى أنهكهم محمود درويش ألماً، في كل الحالات مع الأسف لم تكن المدرسة هي المحفّزة للقراءة، فأنا شخصياً أظن أنني قارئ جيد، وعندما بدأت بالقراءة لم يكن حولي من أستشيره بأمرٍ كهذا، فكنت غالباً أُبادر بشراء الكتاب الذي أقرأ عنه بالصحف، وبمناسبة الصحف يقول توماس جيفرسون (من لا يقرأ شيئاً على الإطلاق أكثر ثقافة ممن يقرأ الصحف فقط)، لكنني بحمد الله تخلصت من الوصاية بعدما اقتنيت كتابا (شهير) من فئة (الأكثر مبيعاً)، الذي تبين فيما بعد أنه كتاب «مجمّع» من مصادر أُخرى دون الإشارة للنقل (يعني مسروق)، بعد قراءة جزء منه أيقنت أن كل الذين كتبوا عنه إما أنهم لم يقرؤوه أو أنهم لم يقرؤوه! لهذا (وصيتي/إجابتي) على العنوان: اقرأ أي شيء.. في خضم القراءة ستجد بنفسك الجواب.