تعالت صرخات الألم في برنامج (الثامنة) في أكثر من حلقة وانكشف المستور في برنامج (يا هلا)، قصص عمالية مؤثرة أبطالها جهات حكومية معنية بتوليد الثروة وإنتاج المعرفة وضحاياها سعوديون وسعوديات دارت الأيام بهم تحت رحى المواجع في سبيل لقمة العيش وانتهت ببعضهم على قارعة الرصيف، والثابت أن خلف كل قصة قضية مغلفة بحزمة من الإجراءات التعسفية تحت غطاء النفوذ الوظيفي في ظل غياب واضح للحماية القانونية هذا ما يمكن استنتاجه من تفاصيل الحوارات مع الأطراف وما تخللها من الشواهد التي لا يصعب على أهل الاختصاص تفكيكها. على وجه العموم يخطئ من يظن أن حدود الألم والمعاناة محصورة في الأطراف المباشرة، فمثل هذه الأحداث تلقي بغيمتها السوداء على الأسر والمحيط الاجتماعي المتصل بها وتنشر الإحباط كخطوة لتمهيد الطريق إلى ما هو أبعد. اليوم، ثقة الناس في نظام العمل مهزوزة ومن الممكن أن يقال أنها تتلاشى تدريجيا، هذه الصبغة الذهنية مثبتة بعزوف المواطنين عن الوظائف الخاضعة لهذا النظام عطفا على قناعة سائدة مفادها خلوه من الأمن الوظيفي ولا شك أن ما يتكرر من قضايا لا تدع فرصة لتغيير ملامح الصورة المرسومة بل تزيدها عمقا. وفي السياق، التجارب تقول إنه لا يهز جذع الوطنية في أي بلد كان ويُسقط عوامل الثقة في مخرجاته القانونية مثل انتشار استغلال السلطة أو الاستقواء بثغرات الأنظمة لإلحاق الضرر بالناس دون اعتبار لسيادة القانون وما يترتب على مخالفته من آثار، هذا الأسلوب الموغل في الأذى المزدوج لاشك من مثيرات الشارع ولا يُقدم عليه من المسؤولين غير من في نفسه غاية لا تتفق مع المصلحة العامة وهذا ما يجب أن نعترف به بصراحة يسبقها تأمل للزمن وأحداثه وطبيعة المكان واحتياجاته. قصر نظر المسؤول في أبعاد ما يتخذه من قرارات وعدم درايته بالنظام لم تعد من الأركان الاحتياطية المبررة لحدوث مثل هذه الأمور، ولا يمكن قبولها كمستند للدفاع، حينما تتعلق المسألة بنظام معتمد، سار المفعول واختراق متعمد لبنوده تحت ذريعة التأويل والتفسير الخاص لتحقيق الملتوي من الرغبات فإن النتائج المتوقعة لا تحتاج إلى توضيح والضرورة تفرض والأمر كذلك ردة فعل رسمية مضادة للحد من التمادي في العبث في أهم المقومات الوطنية لأن إضعاف صوت الناس باستعمال النظام – أي نظام، بطريقة تحويل نصوصه واللوائح والتعليمات المرافقة إلى وسيلة لتحقيق المأرب من الخطورة بمكان ويجب أن يقابله إجراء حاسم بلا هوادة لإحقاق الحق وفرض العدالة. على أي حال، تحليل المؤشرات على ضوء البين من المسائل من حيث المبدأ يقول إن كل موظف يسعى بإخلاص لكشف مواطن الخلل في بيئة عمله سيواجه احتمالية اتهامه بعدم اللياقة الصحية. ويقول أيضا إن الضغوط النفسية في مجال العمل بدأت في الظهور كاستراتيجية للتطفيش وآلية لتأسيس التبعية المطلقة بالترهيب لفرض واقع التنفيذ الأعمى بصرف النظر عن سلامة الإجراءات وسياسات العمل من عدمها، ومن الطبيعي في كل الأحوال أن تعكس هذه المؤشرات من جهة أخرى احتمالية استشراء العنف في مجال العمل ولربما خارجه وبأسبابه وعلى جُرة ذلك يدور مشروع جريمة تسحب في ذيلها جريمة. وقبل كل ذلك تقول المؤشرات أيضا أن حاجة الناس للعمل والكسب الشريف تستغل بطريقة بشعة في بعض المواقع بدءا من الخلل في صياغة عقود العمل وانتهاء بالتعسف في إلغائها. إذا كان أعتق المسلمات التنموية تؤكد على عدم قدرة أي دولة في العالم على استيعاب مواطنيها الباحثين عن العمل في الوظائف العامة فإن تقوية الاقتصاد ونموه وتجويده تستدعي نهوض القطاع الأهلي بالقوى العاملة الوطنية.محليا كيف لذلك أن يتم والقضايا العمالية تتنامى في القطاعات الحكومية أصلا وقد تتباين الأحكام بشأن المتشابه منها من لجنة عمالية لأخرى. عن طول أمد المرافعات لن أتحدث هنا، ولا تعليق لي على السؤال الساخر المتحرك عن خطة وزارة العمل لحماية برنامج توطين الوظائف وحفظ حقوق العاملين. ما أود قوله في الخاتمة هو، أن العلياني والشريان أحرقا ورقة نظام العمل في يد حقوق الإنسان بعود ثقاب الوزارة المعنية بحمايته. وعن بعض الشؤون العمالية نتحدث لاحقا، مع تسجيل تمنياتي لمعالى الوزير بالتوفيق.