ناصر عثمان آل عثمان نعم إن نيلسون مانديلا هو «ماديبا» وهي تعني الرجل المُبجل بلغة قبيلته وهو كذلك بين أفراد شعبه في وقتٍ مضى من حُكمه لجنوب إفريقيا، مَن الذي لم يسمع بِذِكر نيلسون مانديلا حتى نُخبره بأن هذا الرجل قاوم الظُلم والاستعباد لبني جلدته السمراء في وقتٍ مضى، كان لِما يُسمى بالتمييز العنصري في بدايات حياة نيلسون وأقرانه صولة وجولة. لقد عاش هذا الرجُل مُتديناً بدينه الذي نختلف معه فيه فعاش ينبذ التفرقة بين البشر وينشد المساواة ويطلب الكرامة لجنس الإنسان بِلا تفرقة، إننا نتفق معه في مبادئه، في قيمه، في أعرافه، في تطلعاته ونظرته وأعماله على وجه الحياة التي أراد أن يعيشها مانديلا بشكلٍ مُختلف، لم يرض هذا الرجل أشكال العدوان والتسلط والتهميش لبني جلدته السمراء وأراد أن يعيشوا كبقية البشر حياة كريمة مفعمة بكل ما يرفع الإنسان ويرتقي به على كافة المستويات التي ترتقي بها الأمم. ولد نيلسون مانديلا في قرية صغيرة تدعى ميزو بمنطقة ترانسكاي، وهو مِن عائلة ملكية ومِن سلالة عريقة، تعلم نيلسون منذ طفولته وكان يؤمن بأن العِلم هو المخرج الوحيد مِن تحجُّر العقول إلى انفتاحها على الدنيا، ولكنه في الوقت نفسه كان يؤمن بأن الشهادة «التعليمية» في حدِّ ذاتها ليست ضماناً لنيل الزعامة أو القيادة، وأنها لا تعني شيئاً ما لم يثبت المرء جدارته بين الناس, وكان يقول «نحن في جنوب إفريقيا لسنا أقواماً متعددة تتكلم بلغاتٍ مختلفة، بل أمة واحدة نتخاطب بألسنة متنوعة لقد تَنَقَّل هذا الرجل في جنوب إفريقا في حينٍ كان الاستعمار الأبيض يجور ويطغى في بلادهم، فما برح يبحث عن ضالته التي يطلبها هو وغيره من الشعب الجنوبي الإفريقي، لقد شُرِّد وطُرِد، اعُتُقِلَ وسُجِن، افتَقَرَ وعانى مِن العدم لكنه بعد هذا وذاك، عاش في بلاده بعد معاناة هو وشعبه في نعيمٍ وكَرَم، وبعد تضحياتٍ جِسام حَفِظها التاريخ لهم. لن أسرد لكم سيرة هذا الرجل كاملة هنا فهذا يحتاج إلى مُؤلَّفٍ يكتنف بين دفتيه فصولاً وأبواباً، حتى أسرد سيرة هذا الرجل كما ينبغي لها أن تكون، لكنني وقفت على سيرته بوقفاتٍ غيَّرت من نظرتي للحياة وربما أتوقع ذلك في نفوس الآخرين. لقد آمن نيلسون مانديلا «ماديبا» أن الثبات على المبادئ هو السبيل لإثبات الوجود على الأرض التي تجمع البشر على ظهرها، وأن الفقر ليس عائقاً دون أن يعيش الإنسان كريماً، وأن الإحسان إلى الآخرين أياً كانوا هو سبيل الدخول إلى قلوبهم، وأن الكِفاح والسير على وجه الأرض هو السبيل ليبقى الإنسان حياً على قيد الحياة، وأن الخنوع والركون هو الانتحار البارد والموت البطيء لكل كسولٍ وجهول، وأن الصوت وإن كان خافتاً يُحدِثُ جلبة قوية عندما يكون البوح حقاً عادلاً، وأن وضوح الأفكار والمناهج لدى البشر تجعلهم أكثر تفهماً لمطالبهم وحقوقهم، وأن الحِكمة في التعاطي مع محدثات الأمور والتريث في الحُكم على الحوادث أمر مقبول وفي غاية العقلانية والنضوج، وأن الشجاعة والمجازفة أحياناً من أجل الآخرين هي تضحية محمودة في عالم الحقوق المنهوبة، وأن المستحيل في حياة الإنسان العامل ليس له مِحل مِن الإعراب في جملة الحياة، إلى غير ذلك من الإيمانيات التي آمن بها نيلسون وجعلته رمزاً للتحرر المنضبط, الذي تحرر به شعبه بعد زمنٍ مِن الصِدام والصِراع مع الاستعمار الجائر، اسمحوا لي فهذا هو نيلسون مانديلا الذي يتنفس الحرية مع شعبه في جنوب إفريقيا الآن.. ألا يستحق بعد هذا العناء أن يرتاح قليلاً هذا الهُمام؟! إنه رجلٌ عظيم ما زال إلى هذه اللحظة التي أكتب فيها عنه يتنفس عبق الحياة. وأنا أسرد لكم هذه الحروف في هذا المقال لم أنس محمداً صلى الله عليه وسلم بل كان حاضراً في ذهني مع أول حرفٍ كتبته هنا؛ لأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو أول مَن رسم خطوط العدل للإنسانية، وهو رمز النِضال والتضحية والبذل والعطاء والإنفاق ولم تعرف البشرية ولن تعرف بعده أعظم منه صلى الله عليه وسلم.