غردت إحدى المغردات عن الدراسات المتخصصة في الروح والجسد، وأشارت إلى أن علماء في الأبحاث المتفرعة عن الفيزياء الكمية وجدوا أن جسد الإنسان ينقص بمقدار نصف كيلوجرام فور وفاته وخروج الروح منه، صار تخميني أن ذلك النقصان ربما يرجع لخروج الأكسجين من كافة الخلايا في الجسد مما يؤدي لانكماش كتلة الجسد، إلا أنها زادتني حيرة بعدما أخبرتني أن سؤال الدراسة أجاب عن فرضية هذا السر بلغز آخر محير وهو أن كتلة الجسد في الحيوانات لا تنقص فور خروج الروح منها بالوفاة. مما يعني أن كل ما حولنا من الضجيج الإنساني المليء بالعواطف والمشاعر المترسة بالأحقاد أو المثخنة بالجروح وما تخلفه من عداوات وتدمير هائل بحق الإنسانية يفضي للمنازعات والخصومات والقتل والهلاك وإبادة الحضارات، ليس إلا من كتلة روح تزن 0.5 كيلوجرام! كانت هذه المعلومة محيرة لي جعلتني حتى اللحظة أبحث عما إذا كان هنالك مزيد من الدراسات العلمية بمقاييسها الدقيقة، إلا أنني لم أجد إجابة أكثر وضوحاً مما وقفت عليه التغريدة. حالياً.. أعتقد أن ما يربط الموت في الذهن أكثر هو الشعور بالألم، بعدما أثبتت هوله الآية الكريمة في سورة «ق» (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ)، فتوقُّف التنفس برهة قصيرة يشعرنا بالاختناق كألم جسدي محسوس فضلاً عن الألم النفسي المرعب والمخيف، وكلا الألمين من بواعث تنبيه الجهاز العصبي. الألم الجسدي مرتبط بالألم النفسي والعكس صحيح لأنه متواصل بحقائق عصبية في مناطق معينة من الدماغ، وقد يكون في إيقاع الألم على الجسد تنفيس ومخرج للألم النفسي في بعض الحالات. ومن المتعارف عليه فإن الألم النفسي أشد ضرراً من الألم الجسدي حسبما توصلت إليه دراسة علمية نشرت في مجلة علم النفس «سايكلوجيكال ساينس». فقد اعتمدت الدراسة المنشورة على مبدأ أساسي وهو أنه كلما كانت التجربة للمتطوع أكثر ألماً، كلما كان أداؤه في الامتحان أسوأ، بينما سُجلت نتائج أفضل لدى من تذكروا تجارب الألم الجسدي عن الألم العاطفي. وهذا المقياس الإحساسي لا يُكترث به في العالم العربي بشكل ملموس مقارنة بباقي دول العالم الأول والصناعي، بحيث يأخذ الإنسان الفاشل حقه من الرعاية الاجتماعية والدعم الإنساني التحفيزي ليخرج من مشكلاته تماشياً مع العالم الأول من دول الغرب، برغم أن نصوص القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والتراث الإسلامي فيها ما يغني النفس ويبهجها ويزيدها طرباً، إلا أن الحقيقة المؤسفة أن كل النصوص الإيجايبة في القرآن الكريم وفي التراث الإسلامي بشكل عام تكاد لا تُدرك في محافل الدعم النفسي أكثر من غلبة نصوص الوعيد ولوم المذنب وهي استشهادات لا تليق بمكان يقف فيه يائس أو حزين أو فاشل. وهي حقيقة مرة لخصها العالم المصري أحمد زويل بقوله «الغرب يدعم الفاشل حتى ينجح». ربما وبرغم تعرض جميع الناس لمرارة الألم النفسي كلٌّ بحسب مقدار معين، إلا أن غياب تفكير العقلية العربية الراهن بطريقة علمية لاستكشافه وربطه بالدلائل الملموسة، أحد أهم الأسباب التي تجعلهم لا يؤمنون بأن وراء الفشل معضلة حقيقية لا يوجد لها اختبار فسيولوجي موثق، وهي فعلياً بحاجة إلى حل ودعم متوجه لا إلى قمع صاحبها أو تحقيره وإذلاله إنسانياً. ولكن استكشاف الألم النفسي غير الملموس مادياً وتحويله إلى مقياس مهني مهمة يبحث فيها العلماء بشكل مستمر، وهو ما أكده فولكر كونين وزملاؤه الباحثون من مستشفى فريبورج الجامعي في ألمانيا، وجدوا أن المرضى الذين يعانون الاكتئاب المقاوم للعلاج يمكن أن يبدوا تحسناً سريعاً من خلال مداواة موقع معين في مقدم الدماغ الوسطي. حيث أكدت خلاصة الدراسة على نتيجة مشمولة بتحقيق الاستجابة العلاجية للمرضى عند استهداف مداواة تلك المنطقة الدماغية على وجه التحديد بعدما قلَّت الاستجابة العلاجية للمرضى عند استهداف مناطق دماغية أخرى، وهي دراسة متوافقة نوعاً ما مع أخرى متفرعة عن علم الأعصاب نشرت بعنوان «بصمة الدماغ للألم الحراري». بينت أنه من خلال بصمة الدماغ، كمقياس للألم، يمكن تمييز الألم الجسدي عن المحفزات الأخرى كالذكريات المؤلمة والألم الاجتماعي، ويمكن خفض نشاط هذه البصمة من خلال المسكنات. وبما أن الألم يمكن قياسه مهنياً، فإن المجتمعات المتكافلة اجتماعياً نجد فيها أن تحية الصباح والابتسامة العابرة لكل عابر طريق عُرْفٌ يقلل من ضغوط الحياة اليومية اللاحقة بشكل ملموس، بينما نجد أن المجتمعات المنغلقة وعلى رأسها الإسلامية في وضعها الراهن، لا تعمل على ترسيخ عادة الابتسامة وإلقاء السلام على العابرين إذا ما بدا أن لها إيحاءً مستهجناً. في الموقع http://rafed.net/booklib/view.php?type=c_fbook&b_id=289&page=19 كتاب يسهل تحميله جاء بعنوان «في سلام الكائنات» جاء فيه أن الكائنات ذات حياة وشعور ومدركة وناطقة مصداقاً لقول الله تعالى (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). كما أن تسبيحها لله دليلٌ على تمتعها بنعمة الشعور ومن ثَم فهي تستحق أن تبادَل بالسلام. وبشكل أوضح فإن ذلك يعني أن كتلة الروح المقدرة بنصف كيلوجرام في كل جسد حولنا لا بد أن تُعطى حقها الإنساني الذي يرتقي بها في جسد صاحبها ما إذا كانت مضطربة أو مسببة له الألم، فهنا تكمن الإنسانية والمروءة.. في رفع الألم عن الناس مقابل طردي لاكتساب السعادة والاتزان والثقة النفسية. كما أن اضطراب الأحداث الزمنية من حولنا في العالم العربي جديرة بأن نعيد النظر فيها، وكيف يمكن لنا أن نخلص أرواحنا وأرواح من حولنا من أكوام المشاعر العدائية والحزينة، ربما بمجرد سؤال عابر عن الحال، أو بابتسامة، أو ريتويت أو لايك على صورة أو ربما مشاركة حدث. كل ذلك من شأنه أن يغير مقاييس ودرجات الألم النفسي للناس من حولنا، دونما خسارة نفسية مقابلة من المبادِر بنشر الإنسانية الراقية. ترى ماذا سنكون لو كررنا في ذواتنا ما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لا يحل لامرئ مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظن بها سوءاً وهو يجد لها في شيء من الخير مخرجاً».