كما ورد في وسائل الإعلام المحلية قبل أشهر، درس مجلس الشورى التقرير السنوي الأخير لوزارة الخارجية، وأصدر أربع توصيات… رفعت للمقام السامي، لاتخاذ ما يراه بشأنها. ومن ضمن تلك التوصيات توصية تنص على: قيام وزارة الخارجية، بالتنسيق مع الجهات الحكومية ذات الاختصاص، بدراسة ملف المقيمين غير الشرعيين في المملكة، واقتراح الحلول العاجلة لهذه الظاهرة. وقد أثارت هذه التوصية بالذات كثيرا من الاهتمام في وسائل الإعلام المحلية، وتم تأويلها، في بعض الحالات، بما لا يتفق مع مضمونها وهدفها. وهو الأمر الذي يستحق التوضيح. إن هدف هذه التوصية هو: ضرورة معالجة مشكلة مجتمعية خطيرة وملحة، ألا وهى: مشكلة الهجرة الاستيطانية غير المشروعة إلى بلادنا، التي تحدثنا عنها -بصفة عامة- في مقالات سابقة. وهي مشكلة تختلف عن موضوع «العمالة الوافدة» إلى المملكة (وصل عددها لحوالي تسعة ملايين). وإن كان هناك شيء من التداخل بين الموضوعين، باعتبار أن جزءا من غير النظاميين يمارس عملا. لذا، فإن هذه المشكلة يجب التعامل معها بما يتفق وطبيعتها المختلفة -قليلا- عن مشكلة العمالة الوافدة. فالمقصود هو: توافد أعداد كبيرة -نسبيا- وبطرق وأعذار شتى إلى المملكة، ليس بغرض الزيارة، أو السياحة الدينية، أو العمل النظامي، بل بهدف الاستيطان الدائم، والإقامة المتواصلة. وهى غير مشروعة لأنها تتم بمخالفة واضحة لكثير من قوانيننا ونظمنا. وهذه المشكلة يصل عمرها إلى ما يقارب الخمسة عقود. إذ بدأت منذ أن منّ الله على هذه البلاد بالثروة النفطية…. وما زالت تتراكم، ويتفاقم خطرها، منذ ذلك الحين. أما عدد من ينطبق عليهم هذا الوصف الآن، فغير معروف بدقة، لعدم توثيق هذه الإقامة. ويقدره البعض بحوالي 4 – 5 ملايين نسمة، ينتشرون في: مكةالمكرمةوجدة والمدينة المنورة والطائف والرياض والدمام ومناطق عسير وجازان، وغيرها. وتعانى مدينتا مكةوجدة من وجود أعداد هائلة من هذه الفئة. علما بأن لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى لم تحدد عددهم، ولم تحدد «الجهات» الحكومية المختصة التي على وزارة الخارجية التنسيق معها. بل تركت لوزارة الخارجية أمر تحديد تلك الجهات، والتنسيق معها… بما يضمن التعامل السليم والفعال مع هذه الظاهرة، وبما يحقق مصلحة هذه البلاد أولا، وقبل أي شيء آخر. ولا شك، أن أهم الجهات التي يجب -منطقيا- التنسيق معها هي: وزارة الداخلية، وزارة العمل، وزارة الشؤون الاجتماعية، وغيرها. أما لماذا خص مجلس الشورى وزارة الخارجية بالتوصية، فلأن المجلس درس تقرير هذه الوزارة فقط، وليقين المجلس بأن لوزارة الخارجية دورا مهما في التفاهم مع البلدان التي يتبعها هؤلاء (بعض الدول الإفريقية والآسيوية المعروفة) بما يضمن المصالح العامة المعنية هنا، وأيضا مصلحة هؤلاء المهاجرين. وغني عن القول أن لهذه الظاهرة أخطارا اجتماعية واقتصادية وسياسية وأمنية فادحة على بلادنا، إن لم يتم وقفها، وتصفيتها. ويكفى أن نذكر أن أغلب المخالفات والجرائم التي ترتكب في مدننا وقرانا تأتي من هؤلاء، بسبب وضعهم المعيشي العام. ويقال إن أكثر من 60% من الجرائم التي تسجل في شرطنا يرتكبها الوافدون والمستوطنون. ولم تتطرق تلك التوصية الشورية إلى سبل علاج هذه المشكلة، بل تركت ذلك للجهات المختصة المعنية. وقد أثلج صدورنا قيام وزارة الداخلية والجهات الحكومية المعنية الأخرى بحملة تستهدف التعامل مع هذه الظاهرة، وظاهرة العمالة الوافدة المخالفة. ونتمنى أن تستمر هذه الحملة حتى النهاية السعيدة المطلوبة…. وهي تخليص البلاد من تبعات وسلبيات هاتين الظاهرتين. وإن كان لي أن أقترح «حلولا» هنا، فإنني أقول: إن هناك عدة خيارات و»وسائل» للتعامل مع هذه الهجرة… ولا يجب الأخذ بوسيلة واحدة دون غيرها. ولكن، الأهم، وأولا، أن توقف هذه الهجرة، ولا تتواصل، وبكل الوسائل الممكنة. فمن حق بلادنا أن تمارس سيادتها على أرضها، وبما يكفل حماية أمنها واستقرارها، وراحة شعبها، وأمن ورفاهة أجيالها المقبلة. ثم بعد ذلك يجب فرز و»تصنيف» هؤلاء في مجموعات. هناك قلة قليلة جدا يمكن تجنيسها، وفق ضوابط مناسبة. وهناك قلة يمكن منحها «إقامة» نظامية، والاستفادة منها في بعض الأعمال. ثم هناك من يجب إعادتهم، وفورا، إلى حيث أتوا، بالتنسيق مع بلدانهم التي يتبعونها، مع تقديم إعانات تساعدهم على بدء حياة جديدة. إن على دولهم أن تسهم في عملية مواجهتنا لهذه الظاهرة، وبكل الطرق الممكنة. ثم بعد ذلك يجب أن يقفل باب هذه الهجرة تماما… خاصة عبر الإجراءات الأمنية التي تعتمد على نظام البصمة. أما مشكلة العمالة الوافدة «النظامية»، فالحلول لها معروفة لكل المعنيين بهذه العمالة. ولعل «التوطين/السعودة» الجادة والمناسبة، هي أبرز عناصر تلك الحلول.