كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن زيادة تغلغل الفساد في القطاعات المختلفة، بعض الحالات تحدثت عنها وسائل الإعلام المختلفة. نتذكر جميعاً ذلك الخطاب التاريخي الذي ألقاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بعد كارثة سيول جدة الأولى قبل عامين تقريباً، وكذلك إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قبل حوالي ثمانية أشهر. هذه مؤشرات توضح أن هناك إدراك على أعلى المستويات بوجود الفساد ووجوب مواجهته، خدمة للوطن و المواطن. لا شك أن الدور الحكومي في مواجهة الفساد مهم جداً، سواءً من ناحية وضع القوانين الخاصة بمكافحة الفساد والمفسدين، أو اعتماد الشفافية في الأعمال والمناقصات الحكومية، أو محاكمة من يثبت مسؤوليته عن الفساد بصورة أو بأخرى، لكن لا يمكننا إهمال الدور هام للأفراد أيضاً كداعم للدور الحكومي أو كنقطة انطلاق لفضح الفساد والمفسدين، في المؤسسات الحكومية أو الخاصة. في المؤسسات الغربية هناك ما يعرف ب (Whistleblowers) أو (مطلقي الصفارة)، و هم الأشخاص الذين من شأنهم إخبار العامة أو السلطات بوجود أعمال غير أمينة أو غير شرعية سواءً في المؤسسات الحكومية أو المؤسسات الخاصة, إن من أهم أسباب التشجيع على ظهور مطلقي الصفارة سواءً في المؤسسات الحكومية أو الخاصة توفر الإطار القانوني والقضائي لحماية هؤلاء الأشخاص لمنع أي ضرر قد يلحق بهم نتيجة لجرأتهم و إخبارهم للسلطات المختصة عن التصرفات غير القانونية وغير الشرعية, التي قد تظهر لهم في المؤسسات التي يعملون بها, وفي نفس الوقت من أجل منع سوء استخدام مثل هذه الممارسة من أجل مصالح شخصية بغية الإساءة للآخرين لأسباب شخصية أو مهنية, إن للإعلام دور مهم في نشر الوعي بأهمية مطلقي الصفارة للإعلام عن أي فساد أو استغلال غير قانوني وذلك في إطار الحرص على المؤسسات الوطنية العامة والخاصة وتحقيق مسؤوليات المواطنة الحقة. شخصياً أعرف مؤسسات وطنية كبرى وضعت أرقام هواتف خاصة، وبريدا إلكترونياً خاصا من أجل التبليغ عن أي حالة فساد، مع الحفاظ على سرية معلومات المبلغ، وكم أتمنى أن تنتشر مثل هذه الممارسة الصحية, في كل الأجهزة والمؤسسات, وفي نفس الوقت يتم الإعلان عن أي نجاحات ذات علاقة في سبيل نشر الوعي بأهمية مطلقي الصفارات في مواجهة الفساد. مثلما نتوقع من الجهات الحكومية المختصة كديوان المراقبة العامة أو هيئة مكافحة الفساد أن تقوم بدورها، فمن المتوقع و المرجو أن يقوم المواطن بدوره من أجل الوقوف أمام غول الفساد الذي يضر بالوطن وأبناءه أيما ضرر.