سألني أحد القراء المعلقين أن أكتب له في الفلسفة، فهل يستمتع بما أكتب حين أتناول هذا الموضوع؟ وجوابي على الفلسفة من عدة زوايا؛ فهي من زاوية أولى: نبع العلوم وجذع شجرتها تنبثق منها كل العلوم وتنتسب. نظرية اللايقين في الفيزياء (Uncertainty Principle) مثلاً تركت ذيولاً فلسفية، وهنا نرى التعانق بين الفيزياء والفلسفة. وهي من زاوية ثانية متعة العقل التي ما بعدها متعة؛ فهي فن السؤال عن كل شيء، ولذا وصف الطفل بأنه سيد الفلاسفة لأنه لا يكف عن السؤال عن كل شيء. أذكر جيداً من بيروت، وأنا أتابع طباعة كتابي الأول (الطب محراب للإيمان) الذي تحول اليوم إلى موسوعة، أن طفلاً تقدم لي وسألني عن بحة الصوت وسببها؟ تعجبت وقلت ربما من الصياح ورفع الصوت! أجاب الطفل ببساطة: الرضيع يصيح طول اليوم ولا يبح صوته لماذا؟ حقيقة أنا أحمل سؤال ذلك الصبي حتى اليوم شاهداً على الطفل الفيلسوف. والطفل يبقى يحمل روح الدهشة والفضول فيتعلم؛ فإذا توقف عن حرارة هذه الروح انطفأ ومات قبل الموت، وهو ما يحدث في معظم الثقافات، وعند غالبية بني الإنسان؛ فينطفئ ذلك الشوق الخالد للبحث عن الحقيقة وخلفية الأحداث! وهو ما دعا الفيلسوف الألماني نيتشه إلى القول إن مَنْ أراد أن يرتاح فليعتقد، ومَنْ أراد أن يكون من حواري الحقيقة فليسأل. كذلك ينقل عن ليسنج (من فلاسفة التنوير) أن الرب لو عرض عليه أحد أمرين: امتلاك الحقائق النهائية في كف، والبحث في كف، لفضل البحث، لأن درك الحقائق ونهايتها هي ملك لله رب العالمين. وثالثا يعد الفيلسوف البريطاني برتراند راسل الفلسفة هي تلك الأرض أو الحقل بين التيولوجيا والعلم معرضة للهجوم من جانبين، فهي في الأرض التي لا اسم لها. فهل يشجع كلامي هذا القارئ على سلوك هذا الطريق الوعر؟