المجتمعات المتطلعة لبناء مستقبل يعتمد في تنميته الحضارية،على سمو وتكامل منظومته التنموية، مرهون حتماً بسلامة عقول أبناء المجتمع ونقاء تفكيرهم،لهذا يأتي اهتمام الدولة، في سياستها التعليمية، بتهيئة أجواء ومناخات فكرية وتعليمية تقوم على هذا الأساس، ضمن الأولويات. من أبرز سمات النهضة التنموية، الاهتمام بمناهج تغذية فكر أبناء المجتمع وتثقيفهم، لذلك تقوم المؤسسات التعليمية والمراكز الثقافية بالعمل على تطوير دورها في أداء رسالتها، لخلق جيل واعٍ منزه الفكر، شديد الولاء والانتماء لوطنه. الوطن الحبيب الذي يضمنا وننعم برخائه واستقراره. وكلما كان الدور الذي تقوم به تلك المؤسسات متفهماً لكل المتغيرات، مُلِماً بكل العقبات والإشكاليات، تحققَ لمجتمعنا أمنه ورخاؤه، وضمنا صون شبابنا من الانحراف والتطرف. بَيّن النبي عليه الصلاة والسلام،أن الأمن من أعظم مطالب الإنسان في حياته، ولن يكون الإنسان مسلماً، إلا إذا سَلِم الناسُ من لسانه ويده. منطقياً، العقل والفكر لا يترجمه قولاً أو فعلاً إلا اللسان، بما يؤثر في سلوكيات الناس وطبيعة تفكيرهم. ولنا في حديثه صلى الله عليه وسلم، ما يبرهن هذه الحقيقة ويؤكد واقعها، حيث قال (من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حِيزَت له الدنيا). الأمن الفكري في عصرنا الحاضر مسألة بالغة التعقيد، لكن الوصول إلى خطة أو استراتيجية تعطي النتائج النافعة ليس أمراً صعباً على الإطلاق. المفكرون من عقلاء الأمة، يؤكدون في بحوثهم ومؤلفاتهم، التي تقرأ الواقع وتستحضر إرهاصاته، أن المد المعرفي والفكري، في ظل عولمة الثقافة والإعلام، هو مَدٌ له نفوذه القوي، وتأثيراته العميقة، وتُعتبر السيطرة عليه أو التحكم في معطياته، في حكم المستحيل، وذلك لخطورة كثيرمن القنوات التي تغذي فكر جيل هذا العصر وتؤثر في سلوكه ومعتقداته، ويُعتبربمثابة عمليات مدروسة ومنظمة لغسل أدمغة الشباب والمراهقين، ويُخشى من تعرضهم للانحراف والتطرف، وبات لدينا سؤال مؤرق (ماذا نحن صانعون ؟) ليس هناك مستحيل، إذا ما اعتمدنا على استراتيجية فكرية تعليمية، نحصن بها فكرشبابنا. ولكي نسيطر على مخاطر المد المعرفي والثقافي والإعلامي، ووضع حد لمخاطرهذا المد على عقول أبنائنا وما يفسد عقيدتهم، فإن على المؤسسات الاجتماعية والثقافية والتعليمية، القيام بدور إيجابي في التنوير وخلق الوعي والرقابة الذاتية النابعة من إيمان وقناعة لدى الشباب، الذين يتعاملون مع وسائل التقنية وأجهزة الاتصالات الحديثة بشكل يومي وبمهارة فائقة للتصدي لحملات تشكيل التكوين الفكري والثقافي للشباب، ببرامج ونشاطات ثقافية في أنديتنا الأدبية وجامعاتنا، برامج تثقيفية وترفيهية، تمنع التطرف والانحراف الفكري، وتحصنهم ضد التيارات الفكرية الإرهابية المنحرفة، وتستهدف الاستحواذ على اهتماماتهم وتبني مواهبهم ونبوغهم الفكري، واستغلال طاقاتهم الإبداعية بما يخدم الوطن ويساهم في بنائه. لقد ثبت قطعاً أن من السبل التي أنتج بها الفكر الإرهابي المتطرف، استخدامهم السيئ لوسائط التقنية وقنوات الاتصال والتواصل الاجتماعي. وإذا كنا نؤمن بأننا لا يمكننا أن نكون معزولين عن العالم، بحجب فضاء القنوات المعلوماتية المفتوح، فإننا لابد أن نكون حريصين على وضع برامج لحماية شبابنا، أبناء جيل التكنولوجيا الذي يحتاج لوسائل تربوية وتعليمية مختلفة، وننمي فيهم الحس الرقابي في انتقاء الجيد المفيد ورفض كل ما يلحق الضرر بالبنية الاجتماعية والهوية الثقافية وثوابتنا الدينية ومعتقداتنا.