في الصباح تُقبّل طفلها على وجنتيه وتضمه إلى صدرها وهي تبكي بصمت؛ فربما يكون هذا آخر لقاء بينهما. في نفس التوقيت تقريباً تكون رفيقاتها على بعد 200 كيلومتر من المدرسة؛ يتهيأن للتوقف أمام أقرب مسجد لأداء صلاة الفجر، وتجديد بعض النشاط الذابل من سفر طويل. ليس ثمة تفاصيل كافية تدور قبل شروق الشمس؛ سوى النوم المتقطع وبعض الآمال العريضة بأن يمر النهار دون منغصات إضافية، وبألا يغفو السائق المسن ليصحو على كارثة تودي بالجميع. إذ لا الوزارة ولا الناس يدركون ما يجري لأولئك النسوة في كل يوم دراسي، وليس ثمة قلوب أو ضمائر كافية تقدر بأن لدينا فعلاً أعظم نساء الأرض طموحاً ومثابرة وصبراً على صلف الزمن والمقادير؛ في المقابل فإن أغلب الإخوة من المعلمين والموظفين يذهبون إلى أعمالهم في أماكن معقولة جداً، وبالرغم من قرب المكان فإن كسلهم المتأصل يمنعهم من إكمال دوام أسبوع واحد دون غياب أو تبرم. كلما تذكرت هذا الماراثون اليومي العجيب لكثير من المعلمات تمنيت أن يجدن على الأقل الاحترام اللائق بهن وبكدحهن الجميل؛ لكن بكل أسف فإنه حتى أنظمة الإجازات ومن يقوم عليها من الجهلة تزيد في معاناة أولئك النسوة، وبالطبع فإن الرجل المستريح على مكتبه لا يفهم تماماً احتياج المرأة العاملة لإجازات كهذه، ومن ثم يتعامل معهن بمنتهى التخشب والجلافة والنظامية البليدة؛ دعوا المرأة تتولّى إجازات المرأة بالكامل فهي تعرف احتياجاتها وأزماتها أكثر من الرجل، وصححوا كثيراً من شروطها المحنطة تخفيفاً للمعاناة إن كنتم تعقلون.