شنّ أستاذ الأدب العربي عضو المجلس الأعلى للثقافة في مصر الدكتور محمد نجيب التلاوي هجوماً على النزعات التجريبية في فني الرواية والشعر، معتبراً أن هذه النزعات هدفت إلى إقصاء سلطة المعنى، وتحجيم الفصحى، إضافة إلى القفز على التراث وإسقاطه، من خلال الاستهانة بقواعد اللغة، في حين طالب أستاذ الدراسات العليا في جامعة أم القرى الدكتور سليمان العايد ببناء علاقة جيدة باللهجات، والاعتراف بالتنوع اللهجي في العالم العربي، وعدم تحميل اللهجات ما آلت إليه الفصحى من ضعف ومحدودية في الانتشار. جاء ذلك خلال ندوة «تحديات اللغة العربية من الداخل»، التي أقيمت مساء أمس الأول، وافتتحت أعمال المؤتمر الدولي لعلوم اللغة العربية بين التحصيل العلمي والتكوين المهاري، الذي تنظمه كلية اللغة العربية في جامعة أم القرى. وأدار الندوة رئيس مجلس أمناء مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية الدكتور محمد الهدلق. وأوضح التلاوي أن الفترة من النصف الثاني من القرن العشرين إلى الآن، شهدت الهجوم الأخطر على اللغة العربية، نظراً لتحول الآراء النظرية التي سادت قبل هذه الفترة عن استخدام العامية مكان الفصحى، والتخفف من الإعراب، والاستعانة بالمفردات الأجنبية، إلى نصوص تطبيقية يجري تداولها في أوساط المجتمعات العربية. ولفت إلى أن هذه المحاولات تمثلت في مجالي الرواية والشعر، ففيما يتعلق بالرواية حاول بعض الكتاب استلاب المقاصد الجمالية للغة العربية، وتحويل السرد الروائي إلى رموز معماة لا يفهم منها شيء، من خلال الانحراف السردي، والتوسع في مفهوم التناص، وفي الدلالات بمفهومها عند دوسوسير، وتكثيف العامية في الحوار. ومثل التلاوي بمجموعة من الروايات منها رواية «شرفة الهذيان» للروائي المصري إبراهيم نصر الله، واصفاً إياها ب«العبثية»، وقال إنها جاءت محملة بأخبار، وصور فوتوغرافية، وملصقات، ونصوص عمودية وأفقية في إعلان صريح عن نمط من الرواية التشعبية، ومفاصلة مع الحالة الثقافية العربية السائدة. وتطرق إلى رواية «تحريك القلب» للمصري عبده جبير، معتبراً أنها تصب في ذات الاتجاه الهدمي، مشيراً إلى أن الكاتب أقصى علامات الترقيم بصورة كاملة، وقدم النص وكأنه سطر واحد، دون مسافات أو فراغات. أما في مجال الشعر، فقد كشف التلاوي أن محاولات النيل من الفصحى جاءت عن طريق تفعيل حاستي السمع والبصر لدى المتلقي، مع إهمال الجانب التخيلي، موضحاً أن المتلقي تحوّل إلى مجرد أذن منسجمة مع إيقاع شعري مفرغ الدلالة. وقال: من هذا النمط الشعري ما يسمّى بقصيدة الكتابة الصوتية المنتشرة عند أدونيس وكمال أبو ديب، وهذه تحتفي بتقطيع الحروف، والإيغال في الاستعانة بتطبيقات السيمولوجيا. من جانبه، طالب الدكتور سليمان العايد ببناء علاقة جيدة باللهجات العامية، ودراستها دراسة علمية، وعدم النظر إليها، وكأنها خطر على اللغة العربية الفصحى، وقال: «إن ما يسميه كثير منا فصحى هو في حقيقته ليس بفصحى، وإنما لغة ملفقة ومركبة من عدة اختيارات لغوية». وأشار العايد إلى ضرورة عدم تحميل وسائل الإعلام والقنوات الفضائية المسؤولية فيما آلت إليه الفصحى، لافتاً إلى أن لمالكي وسائل الإعلام أولوياتهم، ومن أهمها الوصول إلى المتلقي البسيط، معتبراً أن بعض القنوات أسهمت في التقريب بين الأقطار العربية، من خلال عاميتها الراقية. وأوضح أن اللغة العربية تواجه تحديات كثيرة أبرزها أزمة البحث العلمي، مؤكداً أن كل ما لدينا هو تجميع مفترق، وتفريق مجتمع، وحركة تصنيف تقليدية، لا حركة بحث علمي، إضافة إلى اختزال اللغة في الإعراب، والتركيز على مهارات الكتابة فقط، وإغفال باقي المهارات التي استجدت دون أن نفطن لها مثل مهارة الاستماع، ومهارات القراءة المختلفة، كالمتعجلة، والانتقائية. وأضاف أن من تحديات اللغة العربية أيضاً القصور الحاد في التثقيف اللغوي، والإعداد الجيد للمعلم، وإهمال مسألتي التذوق اللغوي والتعلم الذاتي للغة. واستمرت فعاليات المؤتمر صباح أمس الثلاثاء عن طريق أربع جلسات ناقشت مهارات الإلقاء، واستخدامات الوسائط التعليمية في درس اللغة العربية، وإمكانية استخدام مناهج التلقي الحديثة في تعليم اللغة العربية. طه حسين يثير خلافاً بين الدروبي والتلاوي شهدت الندوة نقاشاً بين الدكتور محمد نجيب التلاوي، وأستاذ اللغة العربية في جامعة أم القرى الدكتور سمير الدروبي، امتد إلى ما بعد انتهاء الندوة. وكان الدروبي علّق في الندوة على ورقة التلاوي، مبيناً أنه كان عليه التطرّق إلى الدور الذي لعبه طه حسين في إزاحة الفصحى عن المشهد الثقافي ومهاجمتها، لافتاً إلى أن كتاب «مستقبل الثقافة في مصر» لطه حسين نص على ضرورة التوجه للغرب بشكل كلي. ورد التلاوي أنه لم يعرف عن طه حسين مهاجمة اللغة العربية، ولا يوجد في كتاب «مستقبل الثقافة في مصر» أي نص يهاجم اللغة العربية، وأن ما ينقمه كثيرون على طه ليس مهاجمة الفصحى، وإنما قوله في الكتاب إن مصر أقرب حضارياً وثقافياً إلى جنوب المتوسط (أوروبا) أكثر من الشرق، وحتى في هذا النص لا يمكن القول إن طه حسين يقصد بالشرق المنطقة العربية، وإنما يقصد به المعنى المعروف عند المستشرقين، والذي يشمل كل حضارات الشرق مثل الصينية والهندية. ورصدت «الشرق» استمرار النقاش بين الدروبي والتلاوي، بعد انفضاض الجلسة، حيث استمر التلاوي في دفاعه عن طه، موضحاً أنه عرف بمنافحته عن الفصحى، كما أنه كثيراً ما تحدث عن الأدب العربي القديم، وجمالياته في مؤتمرات المستشرقين، مشيراً إلى أنه حضّر الماجستير في أعمال طه حسين، وأنه لم يجد في هذه الأعمال أي مساس باللغة الفصحى.