الموسيقى حياة وروحها نبع يصب من السماء والمساء والجمال في قلب كأس من إحساس مصفى، واللغة سكرة لا يحسنها إلا مَنْ انتصف وعيه ولم تغلبه غيبته. مسكين في مذهب الفقراء مَنْ هجرته الموسيقى، فلا حرفه غطاء ولا صوته نغم ولا يحسن لحنه العبور. اللغة حبيسة مظلومة يأسرها متفلسف أو ناثر ثائر وجموع من البشر تدعي وصلها. الحرف الذي يموت في الخلاء هو الحرف الذي لا ينتمي لها، الحرف الذي يشع ويمس الشغاف ولو هابته أو كرهته أو تحسست منه الأرواح، هو حرف البشارة وحرف الخلود، وكذلك كان حرف وقصيدة محمد الثبيتي. مات سيد البيد في مثل هذه الأيام من العام الماضي، الناس يموتون.. هذا قدرهم. تحلق حوله أيتامه، يدعي كلهم وصلاً بالثبيتي. بعضهم أبيض صادق، آخرون متملقون يستعرضون رصيدهم في الغد. يقول صديق عندما سألته عن ذلك: عندما قرأت أعماله الكاملة، شعرت بأنه يحرق الوقت ويستنفد المسافة، عاد العصفور لمكة وبدأ يستغرق في صورة الصقر الذي يغادر جبل النور ليصب أجنحته في قلب الثبيتي. يزعم صديقنا الآخر: أن محمداً استغرق في روح الملاك وخالطها حتى أنشد: ضمني ثم قال... الخلاصة أن أولياء هذه الأمة يموتون في الستين. لا يسعني أنا إلا أن أقول: غفر الله لهما حينما أخذاني لغار الثبيتي بعد أن أشرع جناحيه للرحيل، وأنصفنا المولى من النسور التي وشمت دمه الطفل دوما.