نحاول، في هذا المقال -بالاختصار الذي يقتضيه هذا المقام- إلقاء بعض الضوء على موقف الغرب المتسلط (مجموعة الدول الغربية الكبرى، ذات الأطماع/ المصالح الإمبريالية) تجاه أحداث «الربيع العربي».. وتحديداً، تجاه الثورات الشعبية العارمة ضد الجمهوريات الديكتاتورية العربية المعروفة. وتبسيطاً، يمكن أن نقول إنه نجَمَ عن «الربيع العربي»، في البلاد التي أشرنا إليها، انقسام كل «جمهورية» إلى طرفين رئيسيين: غالبية الشعب المعنى، و»النظام المرفوض» شعبيَّا، بمؤيديه وأتباعه والمحسوبين عليه. أو لنقل «الشعب» -بكل فئاته- من جهة، و»النظام» -بحزبه المستحكم- من الجهة الأخرى. فما هو موقف الغرب المتنفذ من طرفي هذا الصراع الرئيسيين -بصفة عامة- في كل من الدول العربية الجمهورية التي اندلعت فيها ثورات شعبية عارمة (وتحديدا: تونس، مصر، ليبيا، اليمن، سوريا)؟! * * ** نقول -اجتهاداً- وبصفة عامة جداً: كان هذا الغرب يقف مؤيدًا -خفية وعلناً- وبشدة، لهذه الأنظمة.. لأنها كانت -بصفة عامة- منفذاً مخلصاً لسياساته وتوجهاته بالمنطقة. حتى أن أنظمة تونس ومصر واليمن المرفوضة كانت كثيراً ما تقدم مصالح هذا الغرب وأولوياته على مصالح شعوبها وبلادها.. التي سخرت -هي الأخرى، وبضغوط من هذه الأنظمة- للسير في فلك الاستراتيجية المعروفة للغرب المتسلط.. ولهذا السبب، وللطاعة العمياء لهذه الأنظمة للتعليمات الواردة من عواصم الدول الكبرى، بذل الغرب المتسلط قصارى جهده لإبقاء هذه الأنظمة لأطول فترة ممكنة. وهذا ما كان الغرب يفعله، طيلة تفاقم «الأزمة».. حتى أتت ساعة الحقيقة، عندما طفح الكيل بشعوب الدول العربية المذكورة، ونفد صبرها، ليس لارتهانها لسياسات الغرب المتسلط وحسب، بل ولما تمارسه تلك الديكتاتوريات من قمع ونهب وسلب وفساد وظلم.. زاد من حدة «حلقة الفقر – الجهل – المرض»، التي تعاني منها هذه الدول أصلاً، وبشدة. وتصاعدت معاناتها يوماً بعد يوم، حتى وصلت إلى حالة الانتفاض، ونقطة الانفجار.. فثارت، مطالبة بإسقاط هذه الأنظمة ورحيلها. * * ** وكان الغرب -وكل العالم- يراقب ما يجري عن كثب، وباهتمام وقلق كبيرين. وبذل الغرب المتسلط كل ما يمكن بذله، لإنقاذ هذه الأنظمة -دون معاداة الشعوب، بشكل سافر. ولكن، عندما تأكد الغرب من تصميم الشعوب على مواصلة ثوراتها حتى سقوط تلك الأنظمة، اضطر في هذه المرحلة لتغيير سياسته نحو هذه الأنظمة «الصديقة»، بعد أن تأكد من تصاعد الرفض الشعبي الحاسم لها.. فتحول عنها، وتركها لتلقى مصيرها المحتوم والمؤلم، والذي يرى أغلب الناس أنها تستحقه بجدارة. فتلك النظم لم تراع حقوق شعوبها، ومتطلبات العصر. وأدعى الغرب -صدقاً أو زورًا- أنه يؤيد رغبات الشعب في «التغيير»، ويدعو إلى «انتقال سلمي» للسلطة، والتحول، في أسرع وقت ممكن، إلى الحكم التمثيلي الديمقراطي..؟! * * ** ظهر هذا التحول في أغلب الفترات، كحركة نفاق سياسي مكشوفة.. وتكرر سيناريو إيران «الشاه» (1979م) مرات عدة في العام 2011م.. عام «الربيع العربي»… واستقبل هذا التحول في موقف الغرب، من قبل المعنيين (وخاصة الشعوب المعنية) بكثير من الريبة والشك وعدم التصديق والحذر. وذلك، في الواقع، رد فعل طبيعي ومنطقي، إذا أخذ المرء في اعتباره التأييد والدعم الغربيين القويين لهذه الأنظمة، ولعقود، قبل أن تتعرض لهذا الرفض الشعبي السافر والجارف. وتأكدت هذه المشاعر عندما كثف الغرب المتنفذ من تدخله في «أوضاع» ما بعد الثورات الشعبية.. بهدف الحيلولة دون قيام أنظمة سياسية مناوئة للغرب المتسلط، أو «غير صديقة» لهذا الغرب. وما زالت هذه الأوضاع في مرحلة التبلور، بل والفوضى.. وما زالت هذه الثورات تواجه ثورات مضادة، وتدخلاً غربياً خفياً.. بهدف ما يسميه حماية مصالحه..! وهي «المصالح» التي عانى كثير من العرب من معظمها مر الأمرين، وسواء بطريق مباشر أو غير مباشر. وقد نتحدث لاحقاً عن موقف هذا الغرب من كل من الجمهوريات الديكتاتورية العربية التي شهدت ثورات شعبية جامحة ضدها، كل على حدة. فما ذكرناه لا يعدو كونه صورة عامة لموقف هذا الغرب السياسي من هذه الأحداث التي وقعت في هذه الجمهوريات البائسة.