ظاهريا، وحتى إشعار آخر، يقف معظم «الغرب» الآن، وفى مقدمته الولاياتالمتحدة، تجاه ما يعرف ب«الربيع العربي»، موقفا معلنا مدعما لمطالب الشعوب العربية في: الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية، ويؤيد رفضهم للأنظمة الجمهورية الديكتاتورية العربية، رغم أن هذا الغرب كان حتى لحظة اندلاع تلك الثورات الشعبية داعما لتلك الأنظمة التي اعتمد معظمها على ذلك التأييد الغربي للبقاء، والاستمرار في الاستبداد. ويبدو أن «الغرب» وخاصة الغرب المتسلط أدرك عدم إمكانية استمرار حلفاءه الرؤساء المستبدين، ورفض شعوبهم لهم، فتخلى عن اولئك الرؤساء، و«أعلن» دعمه ل«مطالب الشعوب المشروعة» كما جاء في بياناته. ولا شك أن هدف الغرب هو: تدارك الرفض الشعبي العربي للغرب أيضا، ومحاولة كسب ود أو حتى غفران الشعوب العربية المعنية، بعد عقود من «الاستعمار غير المباشر». ولا يشك أن موقف الغرب تجاه هذه الشعوب وغيرها، ينطلق من رغبة جامحة لخدمة مصالحه، بصرف النظر عن اى اعتبارات أخرى. ولذلك، فإن هذا الغرب يأمل أن تأتى نظم عربية بديلة صديقة للغرب، أو على الأقل غير معادية له.. وإن أصبح لا يحلم بتكرار النظم المخلوعة التي كانت تبذل جل جهودها لاسترضاء ذلك الغرب. **** إن تحرك الغرب هذا ينم عن ذكاء إن لم نقل خبث استراتيجي ملحوظ، تجسد في: المحاولة الدؤوبة لكسب «أصدقاء»، أو على الأقل تلافى خلق «أعداء»جدد. وقد «أحرج» هذا الموقف الغربي كلا من روسيا والصين، اللتان تنظران إلى الربيع العربي من منظور مواجهة «التحرك الغربي» المناوئ، أو المنافس، لكل من روسيا والصين. فهذان العملاقان يتصرفان بالمنطقة وعيونهما على تحركات الغرب الاطلسى، المنافس اللدود لكل منهما. حيث إن كثيرا من سياسات الغرب وروسيا والصين، تجاه المنطقة، تتسم ب«الصفرية» (Zero Sum).. فما قد يكسبه الغرب في المنطقة تخسره روسيا والصين، والعكس صحيح. علما بأن ما يوحد بين موقفي الدب الروسي والتنين الصيني هو: التحرك الغربي المناوئ.. إذ لا يوجد تحالف (رسمي) بين الدب والتنين، وإن كان مثل هذا التحالف واردا.. إن تمادى «الغرب» في استفزازهما، في هذه المنطقة، أو في غيرها. **** ومعروف، أن المنطقة العربية تعتبر بحق أحد أهم عناصر القوة/الصراع الدولي. فمن يهيمن على هذه المنطقة بما فيها من موارد هائلة، ومنها الموقع تضاف قوة كبرى لرصيده الدولي، ويحسم ذلك المقدار من رصيد (ونفوذ) أعدائه ومناوئيه. ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1945م، أخذت الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة تتزايد، وأخذ صراع القوى الكبرى عليها بالتالي يصبح أشد ضراوة. إن إحكام سيطرة الغرب على معظم المنطقة تعتبره روسيا والصين، وغيرهما، ضد مصالحهما، لأنه يضيف قوة لخصومهما. ومن هذه الزاوية، يمكن فهم كل من الموقفين الروسي والصيني تجاه أحداث الربيع العربي. السياسي الروسي المخضرم «يفيجينى بريماكوف» عندما سئل: لماذا تقف روسيا ضد فرض حظر جوى على النظام السوري؟! أجاب: «لأننا لا نريد ليبيا جديدة في سوريا» (يشير إلى تدخل الحلف الاطلسى). ولكن، كل من روسيا والصين ترتكبان خطأ استراتيجيا بمراهنتهما على أنظمة مرفوضة شعبيا، ومناوأة شعوب البلاد التي تحكمها تلك الأنظمة. وبالتالي، فإن «انتصار» هذه الشعوب سيعنى: علاقة عربية أوثق مع الغرب، وعلاقة محدودة، أو فاترة، مع كل من روسيا والصين. وهذه غالبا ما ستكون محصلة هذا الصراع الدولي بشأن الربيع العربي.. وهى نتيجة للتحرك الاستراتيجى الغربي الذكي الذي غالبا ما سيتمكن من تحقيق هدفه الاقليمى المتمثل في: الحفاظ على نفوذه بهذه المنطقة، وتقليص نفوذ القوى الأخرى المنافسة بها. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 121 مسافة ثم الرسالة