توقع اقتصاديون استمرار أزمة الإسكان وارتفاع الإيجارات لمدة خمس سنوات قادمة، رغم صدوراللوائح التنفيذية لأنظمة الرهن والتمويل العقاري. وقالوا ل «الشرق»، إن الرهن العقاري يخدم في مراحله الأولى شركات التطوير العقارية والمداخيل الشهرية المرتفعة، لافتين إلى مقاومة من أسموهم ب «هوامير احتكار الأراضي» لدخول البنوك وشركات تمويل السوق العقارية ،إذ إنهم يفضلون بقاء الأوضاع على ما هي عليه. ورجح عضو جمعية الاقتصاد السعودية محمد العمران، بقاء أزمة الإسكان وارتفاع الإيجارات لخمس سنوات مقبلة، حتى مع إقرار نظام الرهن العقاري، إذ إن نحو 70% من عمليات شراء العقار تتم عبر عمليات تمويل، ولا يوجد من يشترى العقار نقداً «كاش» وهي ظاهرة وجدت قبل 30عاماً، مشيراً إلى أن مالكي العقارات بحاجة إلى التصريف، وفي حالة رفضهم قبول تسعيرة البنوك وشركات التمويل سيفاجأون بأنهم لن يبيعوا وسيهمشون تمامًا. وأفاد بأن دخول البنوك يخلق توازناً لصالح المستهلك «العميل»، باعتبار أن العقار أساسًا سوف يرهن للبنك، لذلك سيراعي مع «عميله» منطقية الأسعار، مبينًا أن وضع السوق سوف يعمل على إنشاء آلية تسعير أكثر عقلانية؛ لأن البنوك -الطرف المشتري- لا تقبل شراء عقار مبالغ في سعره. وقال إنَّ البنك يعتمد على مثمِّنين في تسعير العقار، رغم أن معظم المثمنين لديهم تعارض مصالح، وهم من «هوامير العقار» والبنوك تعلم ذلك، متوقعاً أنه بمجرد رضوخ 5% من العقاريين للأسعار المعروضة من البنوك سوف تتفكك منظومة الغلاء، مشيرًا إلى أنه من مصلحة الصندوق العقاري أن ينتقل إلى مرحلة أكثر عقلانية في تسعيرة العقارات، تكون متوازنة مع البنوك حتى يتمكن من تصريف العقارات. وأبان أن البنوك السعودية جاهزة شكليًا منذ أكثر من سنتين لتطبيق نظام الرهن العقاري، مشيرًا إلى أن البنوك لا تدخل دفعة واحدة، وتترقب تعامل النظام الحكومي وتحديدًا وزارة العدل وكتاب العدل في تطبيق النظام واللوائح التنفيذية، إذ إن المشكلة الرئيسة أن كتَّاب العدل لديهم تحفظات على التعامل مع البنوك التجارية، وحاليًا يتعاملون مع نظام ولوائح، ويفترض أن يدخلوا في صميم العمل ويبدأوا رهن العقار لصالح البنك التجاري، وليس لصالح أسماء عاملين في البنك التجاري كما هو مطبق الآن. وأشار إلى أن البنوك وشركات التمويل تبدأ تطبيق النظام بتصاعد تدريجي لبناء الخبرة، والتوسع في النشاط، لمدة تستغرق خمس سنوات خصوصًا أن فترة التمويل تمتد ل 30 سنة، ويحتاج مقابله خمس سنوات على أقل تقدير لتقيَّم النتائج، ولكي تنعكس آثاره على أسعار الوحدات السكنية والإيجارات. ولفت العمران إلى أن مشكلة الإسكان ستظل قائمة، إلا أن تنظيم الرهن العقاري يدفع المحتاج للمسكن في التخطيط للتملك بعد أن أصبحت الخيارات متاحة أمامه، مشيرًا إلى أن انخفاض أسعار الوحدة السكنية والإيجار يتحقق على سنوات، وذو الدخل المحدود لا يجب أن يتوقع ظهور النتائج سريعًا على الأزمة. وأفاد أن من دفع أقساط التمويل عبر شراء المسكن حتى وإن ظل مرهونًا لدى البنك أو شركات التمويل يعتبر شاريًا، مؤكدًا أن السوق به خمس شركات تمويل عقارية برؤوس أموال تتراوح ما بين مليار إلى ملياري ريال، وبقدرة تمويلية أقل من البنوك. من جهته، أفاد عضو جمعية الاقتصاد السعودي سلطان السعدون، أن المرحلة الأولى من الرهن العقاري تخدم طبقة معينة من ملاك العقارات، وتخفف العبء على الدولة. وقال إن توفير سيولة بين يدي المستثمر الكبير يزيد من بناء الوحدات السكنية، ويرفع من نسبة الامتلاك بين المواطنين وبالتالي يخفف العبء عن الدولة. وأضاف أن المشاريع التي تساهم في خفض أسعار العقار هي المشاريع السكنية الكبيرة مثل «شمس الرياض» التابعة لدار الأركان، «نصير» التابع لشركة دبي، و»واحة المملكة» على طريق الدمام، وكل هذه المشاريع توقفت لعدم وجود التمويل. ولفت إلى أن شركات التمويل والبنوك حتى لو لجأت لقصر التمويل على مالكي الأراضي والعقارات والمداخيل الشهرية المرتفعة، فسوف يخف الضغط على بقية الشرائح الأخرى في الصناديق الحكومية، رغم أن الأسعار ستشهد ارتفاعًا وزيادة في الطلب، لكن بعد سنوات من التمويل يقل الطلب من قبل هذه الشرائح وتنحصر المنافسة بين شرائح أقل منها. وأفاد السعدون أن محتكري الأراضي هم «العملاء الحقيقيون» للبنوك وشركات التمويل. وتوقع عدم تغيير الأسعار خلال السنوات الخمس المقبلة قياسًا على حجم السوق الحالي، لافتًا إلى أن التمويل العقاري يساعد على تنمية المشاريع الكبيرة، ويساعد الشركات والإدارات العامة على بناء مساكن لموظفيها، ويساهم في تملك المواطنين للمساكن. ورأى أن تضخم الأسعار لن يمنع البنوك وشركات التمويل من التمويل، لأن لديها إضافة إلى رهن العقار رواتب المواطنين، وأنه مهما بلغت أسعار العقارات من ارتفاع، فإن الاحتياج والطلب المتزايد يفرض نفسه خاصة وأن 70% من المجتمع السعودي لا يمتلكون وحدات سكنية، كون %65 منهم تحت سن الثلاثين عاماً. ورأى رئيس المركز السعودي للأبحاث ناصر القرعاوي، أن نظام الرهن العقاري يخدم شريحة تتعلق بدور شركات التطوير العقارية، إلا أن مشكلة الإسكان ليست في تنظيم السوق العقارية، بل في استحواذ أصحاب الامتيازات العقارية على آلاف الكيلومترات من المساحات في مختلف مناطق المملكة دون حاجة، وبالتالي أصبحت المخططات والأراضي غير قابلة للنمو الطبيعي للنطاق العمراني في المدن ويمتلكها عدد قليل من الملاك. وأوضح أن معاناة الطبقة المتوسطة تكمن في توفير «قطعة الأرض» رغم أن من مسؤولية الدولة توفير «الأرض والقرض»، خاصة أننا لا نعاني من ضيق المساحات كما في اليابان وبعض دول أوروبا أو دول الخليج، ولو وُزعت المساحات بشكل عادل ومراعاة حق الانتفاع بالأرض السكنية ما أصبح نحو 70% من الأسر السعودية دون سكن. وأضاف أن الأسر الصغيرة الناشئة هم الأغلبية ويتجاوز عددهم 68 % من نسبة الأسر في المملكة، وهذه الشريحة تآكل دخلها وتعاني من توفير السكن، ونظام الرهن العقاري ليس حلاً مناسبًا لها. وطالب بتحري الأراضي التي يمتلكها الأفراد ونزع ملكيتها بأسعار معقولة، خاصة وأن نسبة المحتاجين للإسكان تتزايد سنويًا ويصل معدل نمو الأسر إلى 3%.