راعني جداً ما أصدره مركز البحوث والدراسات بأكاديمية شرطة دبي من تعاظم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي، حتى أنه تجاوز عدد المستخدمين للفيسبوك وتويتر واليوتيوب أكثر من ( 21,3 مليون مستخدم ) في عام 2012 م، وكذلك ما أصدره مركز الدراسات الاستراتيجية الأمريكي بأن استخدام مواقع التواصل في السعودية يأتي في المركز الرابع بين شعوب القرية الكونية وأن استخدام الواتسآب قد جاء في مقدمة تلك الوسائل. ومع الأسف فمع بلوغنا هذه المرحلة المتقدمة من الاستخدام التقني، إلا أننا نجد أن الوعي بالاستخدام الإيجابي لا يزال في مراحله المتأخرة، فما نستخدمه من مواقع التواصل الاجتماعي يقوم على الاستخدام السلبي في معظمه، فهو يستخدم للترويج للشائعات المغرضة، وللسباب والشتم والقذف، والحط من قيمة الآخرين و للقيل والقال… بل وصل الحال إلى استخدام النكات والصور المخلة بالآداب التي تخدش الحياء. وعادة ما يستخدم الأفراد في الدول المتقدمة مواقع التواصل لنشر العلم والمعرفة وتبادل الفكر والرأي والثقافة حول قضايا متنوعة تسهم في الارتقاء الحضاري. وفي كثير من الأحيان لخدمة قضايا المجتمع وحل مشكلاته، فمثلاً في دولة كالمكسيك يقوم نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لمحاربة مافيا المخدرات، وكشفهم وتتبع أنشطتهم وتبليغ الشرطة عنهم … للمحافظة على أمن وسلامة المجتمع … أما في مجتمعاتنا العربية عموماً فلاتزال ترزح تحت وطأة التواصل السلبي وسأكتفي بالحديث عن ( الوتسآب ) الذي حقق أعلى نسبة تواصل عالمي عام 2012 م ، ففي اليوم الواحد قد تصلنا العشرات بل ربما المئات من الرسائل التي 50 % منها عبارة عن ( شات chat ) ، وترجمة هذه الكلمة بالعربي هي : ( دردشة أو ثرثرة ) . وهناك الرسائل الجاهزة التي تمثل 50 % الأخرى ومنها المفيد جداً والذي يضيف لثقافتك وفكرك، بل ويذكرك بقيم ومبادئ وأخلاقيات سامية .. ومنها ما يمس المشاعر وشغاف القلوب وأخرى للترويح البريء عن النفس والتي تمثل قيمة اجتماعية هادفة وتتوافق مع قيم واخلاقيات المجتمع . أما ما يزعج المرء ويضيع وقته هباءً فهي الرسائل التي تضر ولا تنفع : ومنها نكات الحشاشين و( أبو سروال وفلينة ) و ( أم ركبة سوداء )… وغيرها من النكات التي تستغلنا كشعب للحط من قدرنا، فمن خلال تلك النكت التي تستقر في وجداننا المجتمعي من خلال برمجة للدماغ ، تتسلل تلك الأفكار إلى عقلنا الباطن و تترسخ فيه، فهي تصف شبابنا بالكسل واللامبالاة، وتنتقص من قيمة فتياتنا ونسائنا وتخلق لديهن عُقد نقص متنوعة… بل هناك الرسائل المزعجة التي تستهلك وقت الإنسان وتملأ ذاكرة هاتفه النقال بما يضره أو ربما يعطله.. وأقصد بذلك الصور العبثية التي تهدف إلى المزاح الثقيل مثل رصيف أسود يمتد لدقيقتين في الجوال ولا تجد له نهاية! أو صورا خليعة مخلة بالآداب الإسلامية . وطبعاً كل ذلك على سبيل الدعابة! ولكن أليس النظر إلى تلك الصور يوقع الإنسان في المحرم؟ هذا فضلاً عن تضييع وقته الذي سيسأل عنه يوم القيامة! بل هناك الرسائل التي تروج للإشاعات، والتي تهدف الى زعزعة أمننا الاجتماعي من خلال بث رسائل تقوم على بث العنصرية والمذهبية والطائفية والقبلية بين أفرد المجتمع ، لبث الكراهية وتطبيق سياسة فرق تسد بتضخيمها للأحداث الفردية إلى ما يشبه المشكلات الحقيقية.