المكياج أيضاً فن من فنون المونتاج تستخدمه المرأة لتخفي عيوبها وتسلط الضوء على محاسنها، ويمارسه الحكماء على ألسنتهم فلا ينطقون إلا ما يفيد، ويضطر إليه عازب حين يزوره أحدهم في شقته فيداري ما استطاع إليه سبيلا من فوضى لحقت بأثاث منزله نتيجة لكسله، وبقليل من التأمل سنجد أننا نلجأ لعمل المونتاج – تقريباً – في كل حياتنا. مقص الحلاق يقوم بالمهمة مع شعر الرجال، والحجاب يفعلها مع السيدات، إجبار أطفالك على الصمت في حضرة الضيوف، من الصعب أن ترتدي الأبيض أو تطلق ضحكة أو تسمع زغرودة في العزاء. تهذيب النفس مونتاج أخلاقي، وهبوط الظلام مونتاج طبيعي، ووصايا الأم والأب لأبنائهما رغبة في مونتاج استباقي لأفعال أولادهما، والملابس تستر ما تحتها، والحوائط تحجب من وما خلفها، ومن يقول لك لا يخبرك بما قاله عليك، وما لا تعرفه أكثر مما تعلمه، ولا يعلم الغيب إلا الله، والحق يظهر لمن يريد أن يراه، والموت حق، ولأنك لا ترى من الخلف فإن الطعنة تأتي من حيث لا تدري، والرزق من حيث لا تحتسب، والمجهول يثير الفضول، ويثري الخيال، والخيال فكرة غير مدونة، وهناك من يقرأ الأفكار، ومن لا يقرأ ولا يكتب، ومن لا يفكر. وأغرب عمليات المونتاج تلك التي تمت في محاكمات الشهداء، حيث لا وجود لأدلة تدين القتلة، ولعمل المونتاج أكثر من طريقة؛ ففي الميديا يقوم به متخصصون، وفي الواقع يسهر عليه معتصمون ينصبون الخيام ويمنعون القضاة من ممارسة عملهم «ليمنتجوا» المحكمة الدستورية العليا إذا أرادت أن تقضي في اللجنة التأسيسية أو تحكم ببطلان مجلس الشورى. والرئاسة تمارس حقها في المونتاج فتعفي الدكتورعلم الدين من منصبه كمستشار للرئيس، والمونتاج الذي أجري على حوار الرئيس محمد مرسي مع الإعلامي عمرو الليثي أتعب القائمين عليه، والجالسين في انتظاره، وإذا كان الإخوان قد اهتموا بالمونتاج منذ أن تولَّى مرسي السلطة لاستراحوا. فمثلا: تصريحات عصام العريان المثيرة للجدل كانت في حاجة إلى كاتم صوت، أما ظهور خيرت الشاطر في وسائل الإعلام وتسلطه دون أن يمتلك سلطة فكان في حاجة إلى قطع قبل الإرسال، وكان من المهم اختفاء المرشد من الصورة (ولو في السنة الأولى لولاية مرسي) لنشاهد الرئيس، بدلاً عن المطالبة بإسقاط حكم المرشد. والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب يجد من يساعده على مهمة المونتاج لأخونة الأزهر الشريف والجيش الذي يقوده الفريق أول عبد الفتاح السيسي رأى أن الوقاية خير من العلاج، والجيش يدافع عن الشعب وجريح الحرية والعدالة الذي دافع عن مقر الإخوان في بور سعيد جاء ذكره على لسان الرئيس. ولعل المانع خير؛ فعلم المونتاج لم يصل (حتى الآن) لقرارات وحرس الرئيس وحكومة قنديل رغم أن العصيان المدني يكاد أن يصل إلى القاهرة. آخر سطر: بالأمس زارتني يدك في الحلم، صحوت من النوم لأجد يدي ممدودة نحو الحلم!