يستوقفني وسْم بعض المخلوقات بالجماد، ليس لعلّة فيها بل ربما لأنّنا لم نتأمل حقيقتها، فحُبيبات الرمل التي تطؤها أقدامنا، والحجارة التي تُشيّد مبانينا، والإسفلت الذي تلتحف به شوارعنا، والمياه التي تدير ساقية أيّامنا، حتى أعمدة الكهرباء التي صنعناها، لا تُخلَع عليها صفة الجمود، الذي يعني مطلق السكون، لأنّها مكوّنة من ذرّات، وفي كل ذرّة إلكترونات وبروتونات وعناصر أخرى تتناهى في الصغر طوّافة حول نواتها، إذاً فهي حيّة، ولكنّها حياة من نوع آخر. لنتأمّل حديث النّبيّ – صلى الله عليه وسلم – : «هذه طابة، وهذا أحد، وهو جبل يحبّنا ونحبّه». كذلك ما جاء في حديث الجذع، الذي تركه النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأخذ يحنّ حتّى سمعه كلّ من في المسجد، ولم يسكن إلا بعد أن قطع خطبته، ونزل وضمّ الجذع إلى صدره، وقال: هدأ جذع، هدأ جذع، إن أردتَ أن أغرسك فتعود أخضرَ يؤكل منك إلى يوم القيامة أو أدفنك فتكون رفيقي في الآخرة. فقال الجذع: بل ادفني وأكون معك في الآخرة. فلو قصدت مدينةً، أيّ مدينة، وفيك فرح بلقائها فسوف تشعر بأنّ كل ما تراه في طريقك يحتفي بك، فالأشجار تتمايل أغصانها فرحاً، وحجارة الرصيف تُلقي عليك التحية، وأضواء المدينة تزداد بريقاً، حتى نُسيماتها تكاد تقطر ندى. إنّنا بعض هذا الكون، الذي يموج بالحياة، فهلاّ ترفّقنا بمكوّناته؟