قبل ثلاثة عقود ونيف كنا نقرأ الصحف المصرية ونشاهد الأعمال المسرحية ونتابع المسلسلات التليفزيونية ونصاب بالدهشة من قصص الفساد والفوضى والتلاعب عيني عينك، بل نتندر بقدرة الأشقاء المصريين على تمرير المعاملات المخالفة للأنظمة واللوائح، ونعجب من فهلوة المصري وقدرته على فعل ما يشاء بالعلاقات الشخصية أو الفلوس المدفوعة. الآن أصبحنا نتفوق على أشقائنا المصريين في كل شيء وندرسهم تدريساً في تمرير المعاملات وتزييف المعلومات، ونستطيع فتح معاهد خاصة ندرس فيها المصريين كل طرق «الفساد» وأنواع التلاعب، وهذه حقائق لا تحتمل «التريقة» أو التندر. المصريون الذين أوصانا صفوة البشر بهم خيراً، خبراء في الاقتصاد والثقافة والفن، ويتقدمون على العالم العربي في الإرث الثقافي والعمق التاريخي، ويستطيعون تلوين الهواء وتبليط البحر، ويستطيعون بفهلوتهم ومهاراتهم المكتسبة ترقيص الجن الأزرق، أصبحوا حالياً يتندرون بمهارتنا وعباطتنا ويصنفوننا في صدارة الدول التي تركض نحو الحضارة والتطور بقدم وتصعد لهاوية الحياة الاجتماعية بالقدم الأخرى. من يعرف سير العمل في بعض مشاريعنا، ومن يعرف وضع بعض مدارسنا وبعض مستشفياتنا وشوارعنا المهترئة وقيادة السعوديين للسيارات، ومن يعرف ولائمنا ومفطحاتنا، يبصم بالعشرة على تفوقنا على أشقائنا المصريين، وأصبحنا «نجاهر» أكثر منهم، ونناور على مشارف خطوط التماس وخارج أقواس الزمن، رغم أسبقيتهم بقطارات الموت وعبّارة السلام وبلطجية الملاعب والميادين.