فشلت النخبة في مصر؛ السلطة ابتعدت عن أهداف الثورة وعمدت إلى توطين عناصرها والمنتمين لها في مواضع قيادية لا تتفق وفقر خبراتهم، والمعارضة تحولت إلى كائنات فضائية تتحدث خلف الشاشات، وتجلس باستعلاء على صفحات الجرائد وهي ترتدي رابطات عنق تخنق المشاهدين. لم يجد الشعب بعد عامين على ثورته هدفاً من أهدافها قد تحقق، ويتعجب ممن يتحدثون باسمه ويسرقون أحلامه التي دفع ثمناً لها من دماء أبنائه التي مازالت تراق ولا تجد من يقتص لها أو يمنع مزيداً من ضخها. زهق من وعود استهلاكية، وخطب حنجورية، وصراعات سياسية، وتنظيرات مهتمة ب» اللت والعجن» وغير مهمومة، برغيف الخبز، وأنبوبة البوتجاز، وجركن البنزين، والخدمة الصحية. كان الشعب يظن أن ثورته ستجبر النخبة على التوافق والمشاركة في تحمل مسؤولية النهوض بوطن يحتاج إلى التكاتف لتحمل المسؤولية الثقيلة، ومداراة الفضائح الاقتصادية التي تسبب فيها مبارك وعصابته؛ لكنه أفاق من غيبوبة بهجة سقوط النظام على صراعات تنمو وتتضخم إلى أن انفجرت في وجهه بكل تشوهاتها وعيوبها البرجماتية فقرر النزول إلى الشارع من جديد ليعتمد على نفسه ويعلن عن غضب عارم ليوقظ النائمين وينهي شهر العسل! وإذا كان النظام الحالي يعيد إنتاج سابقه، فإن المعارضة أيضا تمارس سياسة مسنّة تم تفريغها من الإبداع فأصبحت كماء فاتر سيء الطعم وبلا لون أو رائحة، وليس لديها ما تضيفه. نحن الآن أمام شعب يقول كلمته بوصفه السيد في دولة أرادت أن تعيده للرق بعد أن حرر نفسه بشهادة العالم في ثورة سلمية برهنت على حضارته وكشفت عن معدنه الأصيل. والسؤال: هل سيستمر الشعب على نفس الخط ولا يتخطى حاجز السلمية؟! الإجابة: نعم، ومن اتهم الثوار الأمس بالبلطجة وتلقي أموال من الخارج لم يستطع البرهنة على ما يدعي، وكشفت الأيام أن من قاموا بالاعتداء على المنشآت العامة والتخريب المتعمد هم مأجورون لا علاقة لهم بالثورة ولا يمثلون أي فصيل منها. أما لغة التخوين و»كل من ليس معي فهو ضدي» فيجب أن تتوقف فوراً، وعلى النخبة بكافة تشكيلاتها سواء التي في السلطة أو ممن يدخلون تحت عباءة الأحزاب المختلفة الاعتذار والأفضل اعتزال العمل السياسي. مصر بحاجة إلى روح جديدة، وتغيير لاعبين لم تعد لياقتهم السياسية تناسب الوضع الراهن الذي يزداد سوءاً. مصر لا تحتاج إلى ناشط سياسي، بل إلى ناشط اقتصادي، وناشط صحي، وناشط أمني، وناشط تعليمي، وناشط سياحي، وكل من لديه خبرة يستطيع بها أن يبني ما يتهدم يومياً وما تمت إزالته في السابق. إقامة جسر من الثقة هو المطلوب الآن لتصحيح المسار وعلى من يرفض الحوار أن يقدم البديل وعلى من ينادي بالحوار أن يوفر الضمانات الكافية لنجاحه وإلا فنزيف الدماء لن يتوقف! آخر سطر: كانت إذا بكت سال الدم من حبيبها، وكتب على الأرض اسمها.. فرّقت بينهما الأيام، فحرّمت على نفسها الدموع من أجله، ولم تكن تعلم أنها بذلك تجمّد الدم في عروقه، وحين تضحك إنما تحتفل بموته..