لن أقول تحترق، فالحريق قد يبدأ دون سبب أو بالخطأ ودون تعمد، لكن مصر تشتعل، وهناك مَنْ يتعمد إذكاء النيران. مَنْ يشاهد ما يحدث في مدينة بورسعيد الآن لا يملك إلا الشعور بالعجب، حكم قضائي بإعدام 21 شخصاً في جريمة قتل 73 شخصاً (داخل ملعب كرة قدم)، أدى إلى غضبة أسقطت حتى الآن أكثر من 30 قتيلاً، والمدهش أن مشجعي النادي الأهلي (الذين ينتمي القتلى ال73 لهم) كانوا قد اجتمعوا في العاصمة المصرية القاهرة، بانتظار الحكم أيضاً مهددين بإشعال المدينة حال تبرئة المتهمين أو تأجيل القضية. أي أن الصورة كانت كالتالي: قاضٍ إن حكم بالبراءة سيسقط قتلى، فحكم بالإدانة ليسقط مزيد من القتلى، والطرفان يريدان القاضي أن يحكم على هواهما، ولا يقيمان احتراماً للقانون، بينما الجميع يصرخ على شاشات القنوات المصرية ليلاً نهاراً متهماً الرئيس بعدم احترام القانون نفسه الذي يريدونه لمصالحهم. مصر تشتعل بشكل حقيقي، وأهم أسباب النيران فيها أن الجميع يريد أن تكون الأمور على هواه، إخوان مسلمون يريدون البلاد على هواهم، معارضة تريد البلاد على هواها، متظاهرون يريدون البلاد على هواهم، حتى مشجعي الأندية أصبحوا يريدون القضاء على هواهم. وبينما يتقاذف الجميع كرة المسؤولية ويخفت صوت الرئاسة والمعارضة لأنهما وكما ثبت حالياً دون المسؤولية، يتعالى صوت مجموعات فوضوية ترفض الدولة ككيان قائم، ويعود صوت الداخلية المصرية ليصبح مسموعاً، وتعود مدرعات الجيش للنزول إلى الشوارع ليكونا الجدار الحامي للشعب من الفوضى. رغم أن أحد أهم أسباب ثورة الشعب المصري كانت كما قيل ممارسات الداخلية في عهد مبارك، وأحد أهم أسباب سقوط القتلى فيما تلا ذلك تولي الجيش لمقاليد الأمور، إلا أنهما عادا الآن ليصبحا الضامن لاستقرار البلاد، وكل عامين والثورة المصرية بخير.