سماع عبارات الإلحاد من أصحابها مباشرة مؤذٍ جداً؛ الفرق مهول بين قراءة مصطلحات وقصص الإلحاد، وبين الجلوس مع أصحابها وسماع انتكاساتهم التي يصلون معها إلى مراحل لا تجوز كتابتها ولا شرحها بأي صورة ممكنة. في الحالة الأولى (القراءة) تكون أمام مصطلحات ومواقف فكرية جافة لا روح فيها ولا حياة ولا تُعبر أبداً -مهما كانت لغتها- عن مدى الضياع كما هو بسياقاته العاطفية المختلفة، ولا تشعر معها -كقارئ- أن ثمة عداوة شخصية تنشأ فجأة بينك وبين الملحد الذي تقرأ أفكاره من بعيد، وذلك بسبب المسافة الزمكانية الفاصلة بينكما، وبالتالي تختلف مع المقروء بهدوء بينك وبين نفسك. أما في الحالة الثانية (المواجهة المباشرة) فإنك تشعر بمدى تفاهة العقل البشري الذي يحدثك حينما يرتع وحيداً في حمى الله وهو جازم أن كل ما يقوله صحيح وأن أمام البشرية عقوداً طويلة كي تصل في النهاية إلى نفس القناعات التي يتأبطها؛ ساعتها يتولد لديك إحساس قوي بأنه يعتدي على شيء غال جداً لديك، وأن كل خلية في جسدك تكاد تُنتزع من مكانها غضباً مما تسمع. حينما تُصادف ملحداً لم يتجاوز الأربعين من عمره في مجتمع نصفه خطباء جمعة والنصف الآخر من المؤذنين وطلاب الشريعة؛ عليك أن تتوقع الأسوأ، وأن تسأل المحيطين بهدوء: ماذا كان يحدث في الثلاثين سنة الماضية؟ وأين أثر الدروس والمحاضرات؟ المدهش أن بعض الشباب يعتقدون أن الملحد أياً كان هو عقلية مفكرة وقوية جداً قد تغير مجرى حياة بأكملها؛ صدقوني العكس هو الصحيح.