وفي مرحلة المراهقة كنا نعمل (معلمي صبيان)، حيث كانت فرص التعليم المتاحة في منطقتنا محدودة. فكانت المرحله الابتدائية هي الغالبة. وكان هناك ما يسمى معهد المعلمين الابتدائي يلتحق به الراغب بعد حصوله على شهادة الابتدائية ولمدة ثلاث سنوات. أي أنهم كانوا يدفعون بنا إلى مهنة التدريس في تمام الخامسة عشرة من أعمارنا إن لم تكن أقل، لكني أؤكد بأن المتخرجين من تلك المعاهد أفضل بكثير من المتخرجين من الجامعات اليوم علماً ومعرفة. كان أغلب التلاميذ يلتحقون بتلك المعاهد لأنهم كانوا يحصلون على مكافأة شهرية قدرها (60 ريالاً) ولم يحالفني الحظ فأعين في مدرسة قريبة. فذهبت وزميل إلى مكان بعيد حيث استأجرنا منزلاً وبدأنا العمل. بحثنا عمن يبيع اللحم فقيل لنا (عيب تسألون عن الجزارين في منطقتنا) وبحثنا عن بديله الدجاج فوجدنا في طرف السوق سيدة عجوز أمامها (قُفّة مليئة بالبيض) و»كوم» من الدجاج في ربطة واحدة فسألنا عن سعر البيض فقالت: القفّة كلها بخمسة ريالات وكان فيها ما يزيد على 200 بيضة. أما الدجاج فإن الكوم كله بعشرة ريالات فإن شئتم (بالمفرَّق) فالواحدة بريال واحد واشتريت الكوم الذي كان يحتوي على 20 دجاجة.. ثقافة سكان تلك المنطقة في ذلك الزمن كانت ترى أن أكل البيض والدجاج من العيوب التي لا يليق بالرجال فعلها. واتخذ القوم منا موقفاً جعلنا نهجر البيض والدجاج ونذهب إلى أسواق بعيدة جداً نشتري منها حاجتنا من اللحم. أو ننتظر مناسبات سكان القرية لكي نأكل اللحم! مراهقون ومعلمون.. وثقافة العيب سألت عنها بعد مرور 30 عاماً وأكثر فقالوا أفرجت الثقافة عن البيض والدجاج، أما الجزارون فلا وجود لهم في السوق الذي كان يقام ظهر كل خميس.