تداول الناس طرفة مفادها أن شابا ترك قريته في نجد وذهب للعمل في مكةالمكرمة. ويُرسل لوالديه بعض النقود بين فترة وأخرى. غير أن أحد القادمين من الحجاز - وقد ذهب للسلام على الوالد قال له: إن ابنك أصابه بعض الضعف في الدين والعقيدة، فهو "يأكل فول وتميز". وفي هذا بدعة وضلالة. فتحمّس الأب وذهب لزيارة ابنه. وفي الصباح أحضر الابن طعام الإفطار المكوّن من خبز التميز الحار والفول والشاي. وارتاح الأب لهذ الطعام اللذيذ المذاق والشهيّ الرائحة فأكل منه واستطعمه. وبعد الانتهاء من الفطور وتناول الشاي والقهوة سأل الأب ابنه عن حقيقة "البدعة والإحداث" في سلوكه الغذائي، وأن هذا يقود إلى إضعاف الإيمان، وفساد المذهب. فما هي حكاية الفول والتميز اللذين يأكلهما الناس هنا، وصرتَ منهم. قال الابن: الفول هو الغموس اللي غمّستَ فيه قبل قليل، والتميز هو الخبز. الطرفة - إن صحت الرواية - لا تعني أن سكان المنطقة الوسطى بعيدون عن الجديد والتجديد، فهم جلبوا معهم من الشام تحضير نوع من الكعك (أو الكيك) وسمّوه "قرص عقيل" بسكون العين وكسر القاف، نسبة إلى رحلات عقيل المعروفة. كذلك فإن سكان بلدة الزبير في جنوب العراق - وكلهم من نجد - تفننوا في أكلات عراقية مشهورة مثل "الموّش" و"مجبوس السمك" و"الدولمه" وهي ملفوف ورق العنب ومختلف أنواع المحشي. مع احتفاظهم بولعهم وميلهم إلى "الجريش". قصدي القول إن الثقافة الغذائية تنتقل إلى نجد أكثر مما تنتقل منها. جهل أكل الدجاج. وبالغ الرواة في ذكر جهل أهل القرى بالأكل، وما يؤكل. فقالوا إن فلانا لم يكن يعرف أن الدجاج يؤكل إلا عندما ذهب إلى الخبر في المنطقة الشرقية. وكان يعتقد أن الدجاج يبيض فقط..! ويفرّخ. لا تصدقوا بأقوال كهذه فكان أهل المزارع في وسط الجزيرة العربية والأهالي كذلك يترقبون موسم مرور الطيور المهاجرة والحمام والقمري ويصطادونها بدقة وتصويب جيد. والقطا وشباكه معروفة حيث تكثر المياه. فكيف بذاك الرجل يجهل كون الدجاج من أطايب الطعام، وهي من الطيور. أحاديث كهذه لا أصل لها ولا سند ومغزاها إضحاك المجالس. واعتاد الحجاج الإيرانيون أن يقفوا في عنيزة للتزود بالماء والوقود منذ فترة طويلة، فكان الأهالي يسوّقون الدجاج والديكة المستغنى عنها، وكذلك البيض، فالعامة والخاصة هناك عرفت أن لحم الدجاج طيب ويؤكل كأيّ طير حلال. وليس للبيض وأذان الصبح فقط.